تعديل قانون الإعلام بالجزائر.. جدل واسع عنوانه الحرية والأمن
جدل واسع فجره قرار تعديل قانون الإعلام في الجزائر، وسط معادلة صعبة تستهدف تكريس الحرية والحفاظ على الأمن القومي.
وقررت الرئاسة الجزائرية رمي كرة تعديل مشروع القانونين إلى ملعب البرلمان بغرفتيه لإثرائه وتعديله، حيث ستكون الغرفة التشريعية الجديدة أمام أول اختبار، خاصة بعد أن رسمت معالمه وحدوده السلطات الجزائرية بين الحفاظ على مكسب حرية التعبير وسقف الحفاظ على الأمن القومي للبلاد.
- وقف بث قناة "الحياة".. لإذاعتها برنامجا "مسيئا" لرموز الجزائر
- توقيف مالك قناة "النهار" الجزائرية في 3 اتهامات
ووفق بيان للرئاسة الجزائرية عقب اجتماع لمجلس الوزراء حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، وجه الرئيس عبدالمجيد تبون بـ"إشراك البرلمان بغرفتيه لتحقيق مزيد من الإثراء والنقاش لهذين النصين الأساسيين المرتبطين مباشرة بمشروع توافق بين القرار الديمقراطي والحفاظ على الأمن القومي للبلاد".
تنظيم
ودافعت الحكومة الجزائرية عن قرارها بإجراء تعديلات على القانونين المنظمين لقطاع الإعلام وكذلك مجال القنوات التلفزيونية والإذاعية التي تشهد منذ 2013 حالة من التخبط وعدم الاستقرار باعتراف رسمي.
وبررت الحكومة خطوتها بما أسمته "إفرازات تطبيق القانون العضوي لسنة 2012 والثغرات المسجلة التي شكلت بدورها عاملا معتبرا لإعادة النظر في هذا القانون".
واعتبر عمار بلحيمر، وزير الاتصال (الإعلام) والمتحدث الرسمي باسم الحكومة الجزائرية، أن تعديل القانونين من شأنه "المساهمة في ترقية صورة وصوت الجزائر داخل البلاد وخارجها"، مشددا في السياق ذاته على أن "استحداث جملة من الإضافات أمر ضروري".
وأوضح بلحيمر، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أن التعديلات تهدف إلى "تحيين منتظم واحتكام المهنيين والمستثمرين للقانون والاسترشاد بقيم المواطنة والمسؤولية الذاتية".
وحدد الوزير الجزائري النقاط المزمع تغييرها في القانونين، وحصرها في "توسيع نطاق تطبيقه ليشمل القنوات الموضوعاتية أو العامة التي تخضع إلزاماً للقانون الجزائري"، وكذلك "منح رخصة وفق شروط محددة بدقة لإنشاء واستغلال خدمات الاتصال السمعي البصري".
كما لفت بلحيمر إلى أن تعديل قانون الإعلام يهدف إلى "ضمان احترام هوية ومقومات الأمة وتكريس مبادئ المهنة، لا سيما في إطار أحكام المادتين 54 و55 من الدستور اللتين تضمنان حرية الصحافة بكافة أنواعها".
بصمات النظام السابق
ويأتي القرار الرسمي لتنظيم المجال الإعلامي بالجزائر بالتوازي مع خطوة أخرى بإغلاق قناتين تلفزيونيتين بـ"شكل نهائي"، ووقف بث مؤقت لمدة أسبوع لمحطتين أخريين.
وقررت سلطة ضبط السمعي البصري الحكومية غلق قناتي "لينا" و"الجزائرية وان" بشكل نهائي، فيما أمرت في وقت سابق بوقف بث قناتي "الحياة" و"البلاد" لمدة أسبوع وسحب اعتمادهما.
وبررت الهيئة الرسمية قراراتها الصارمة بـ"حدوث خروقات مهنية"، تراوحت بين "عدم احترام متطلبات الأمن العام، وإحداث الفتنة، وعدم احترام التوصيات الخاصة بحماية الأطفال القصر والأحداث خلال بث برامجها".
وفي السياق، نوهت الهيئة الحكومية المشرفة على تنظيم قطاع السمعي البصري بالجزائر إلى خرق قناة "الجزائرية وان" أحد "أهم شروط المجال" والمتمثلة في "خرق أحد شركاء القناة لقانون النشاط السمعي البصري القاضي بمنع شراء أسهم في أكثر من قناة تلفزيونية".
كما أصدر القضاء الجزائري مذكرة توقيف دولية بحق الإخوة مالكي ومؤسسي ومسيري قناة "الجزائرية وان".
والإخوة مالكي، بحسب ما ورد في الإعلام الجزائري، من أكثر المقربين من أركان نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكشفت تقارير ارتباطها الوثيق برئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى، ورجل الأعمال المثير للجدل علي حداد.
وتأسست جميع القنوات الخاصة بالجزائر الناشطة في الساحة الإعلامية في عهد النظام السابق، ومنذ 2014، بلغ عدد القنوات التي تم إغلاقها 6 محطات فضائية، لأسباب مختلفة تراوحت بين "تجاوز النظام العام وخرق حدود حرية التعبير والأخطاء المهنية والإفلاس".
وكان من بين القنوات التلفزيونية التي امتد إليها "زلزال" محاسبة رموز النظام السابق بتهم فساد متعددة، قناة "دزاير نيوز" لمالكها رجل الأعمال علي حداد، وكذلك قناة "نوميديا" لرجل الأعمال محي الدين طحكوت.
والاثنان المذكوران من رجال الأعمال اللذين صدرت بحقهما أحكام بالسجن وصلت إلى 18 سنة سجناً نافذاً بعد ثبوت تورطهما في قضايا فساد، مع مصادرة جميع أملاكهما بما فيها مجمعاتهما الإعلامية.
ويعتبر القانون الجزائري معظم المحطات التلفزيونية المحلية "مكاتب لقنوات أجنبية بالجزائر"، ومنح ترخيصاً لـ5 محطات فقط" في وقت يتعدى عددها الـ30 قناة.
جدل واسع
وأحدثت "الحدود" التي رسمتها السلطات الجزائرية لتعديل مشروعي قانوني الإعلام والسمعي البصري جدلا واسعاً في الجزائر، وانقسمت آراء ومواقف المهنيين والمراقبين بين 3 تيارات متباينة.
التيار الأول رأى في التعديلات المقترحة "ضرورة حتمية حان وقتها" لتنظيم قطاع الإعلام بكل تخصصاته ومجالاته، معتبرا أن الإعلام الجزائري يعيش "حالة من الفوضى" خصوصاً القطاع السمعي البصري.
ويعتبر المدافعون عن التغييرات المرتقبة بأن قطاع القنوات التلفزيونية والإذاعية "يدفع ضريبة عدم تطبيق قانون 2012" الذي بقي مجمدا منذ ذلك الوقت لأسباب مجهولة رغم بدء نشاط المحطات التلفزيونية، والتي وجدت نفسها تعمل دون إطار قانوني واضح، وفي وضعية هشة أمام القوانين الجزائرية والأجهزة الرقابية.
ويعزو هذا التيار أيضا أسباب تحمسه لإحداث التعديلات إلى ما سماه "سطوة رجال الأعمال على المجال الإعلامي"، معتبرين أن "احتكار الدخلاء على المهنة لجزء من قطاع حساس جعل من الإعلام قطاعاً غير متحكم فيه".
أما التيار الثاني، فقد أبدى مخاوفه من أن تحمل التعديلات الجديدة "تقليماً لحرية التعبير" ومحاولة "إدخال القنوات التلفزيونية إلى بيت الطاعة"، وطالب بإشراك مهنيي القطاع في التغييرات المرتقبة على القانونين.
وأبدى مخاوفه مما وصفه بـ"الحدود الإعلامية التي قد يشكل تجاوزها جريمة إعلامية تمس بالأمن القومي".
واعتبر أصحاب هذا التيار أن تعديل قانون الإعلام الحالي "الذي لم يطبق أصلا منذ إقراره" قبل 8 سنوات قد "يحمل ألغاماً وثغرات أخرى" في ظل "غياب نقابة إعلامية ومجلس لأخلاقيات المهنة" والتي يرون أنها "أكبر ضمان لحرية التعبير وصون الخط الوطني قبل التحريري" على حد قولهم.
ويرى أيضا أن "الحفاظ على الأمن القومي عبر المجال الإعلامي لا يأتي إلا من خلال ضمان مكسب الممارسة الديمقراطية وإعلاء المهنية والموضوعية في المضامين الإعلامية".
في حين، فضّل التيار الثالث التريث وعدم إبداء رأيه على ما اعتبره "تعديلات غير معلن عنها"، معتبرين أن الحكم عليها "سابق لأوانه".
ودعا أصحاب هذا التيار إلى "التمعن في التعديلات من مختلف جوانبها قبل الحكم عليها، والتركيز على جميع أبعادها الوطنية والأمنية والمهنية والاجتماعية والأخلاقية".
وفي اعتقاد هذا الطرف، فإن "الموازنة بين تكريس استقلال السلطة الرابعة وضمان حماية الأمن القومي أمر غير متعارض".
aXA6IDE4LjIyNy4xOTAuMjMxIA== جزيرة ام اند امز