بالصور.. "العين الإخبارية" في أقدم محل لبيع القطع التقليدية بالجزائر
"العين الإخبارية" تدخل أقدم محل لبيع الصناعات التقليدية في الجزائر يعود تاريخه إلى خمسينيات القرن الماضي.. شاهد الصور واقرأ تفاصيله
تشتهر كثير من المحافظات والمناطق الجزائرية بصناعة الحرف التقليدية التي يعود تاريخ كثير منها إلى قرون خلت، وتبرز أصالة وثقافة وعادات وتقاليد وتنوع المجتمع الجزائري.
- بالصور.. معرض لبيع الأوراق النقدية العربية القديمة بالجزائر
- بالصور.. التبرعات تحول قرية "تيفَرْدُودْ" إلى "أنظف" قرى الجزائر
وعلى الرغم من تراجعها في السنوات الأخيرة، فإن كثيرا من أصحاب هذه المهنة بقوا محافظين على كنز توارثوه من جيل إلى جيل، ولا يرون فيه ملكاً لعائلة بقدر تعاملهم مع تلك القطع الحرفية على أنها تاريخ شعب بأكمله، وأمانة لا بد من المحافظة عليها للتعريف بها سياحياً، ولإعادة إحيائها لدى الأجيال الجديدة التي فتحت أعينها على غابة التكنولوجيا التي غطت كثيرا من تفاصيل ثقافات وعادات وتقاليد الشعوب.
الجزائر العاصمة هي الأخرى تشتهر بكثرة محلات بيع مختلف القطع التقليدية والأثرية الخاصة بكل منطقة جزائرية، لكن من بينها يوجد "أقدم محل لبيع ما تجود به صناعة الحرف التقليدية في الجزائر والتي يعود تاريخها إلى خمسينيات القرن الماضي".
"الأسواق العاصمية"، هذه هو الاسم الذي اختاره أصحاب المحل والموج,د عند مدخل شارع "باب عزون" في العاصمة الجزائرية، لكن قلة فقط من يعرفون أنه أقدم محل لبيع القطع التقليدية في الجزائر.. كيف ذلك؟
"العين الإخبارية" زارت محل "الأسواق العاصمية" أو "Souks Algerois" كما هو باللغة الفرنسية، فوجدت متحفاً أكثر منه محلاً للبيع، ورغم صغر مساحته نسبياً مع تاريخه ومحتوياته، فإن التفرج على كل ما يوجد في المحل قد يستغرق أكثر من ساعة، خاصة مع وجود قطع من الحرف التقليدية الجزائرية القديمة جداً والتي باتت نادرة في أيامنا هذه، بسبب استغناء كثير من الجزائريين عنها، لكن المحل أعاد إحياءها.
وهنا سألت "العين الإخبارية" صاحب المحل عن سر هذا المتحف الذي يعود بنا وبشكل تسلسلي إلى تاريخ الصناعات التقليدية الجزائرية ولكل منطقة جزائرية "دون استثناء"، وكيف تمكن المحل من جمعها، وإعادة إحياء ما اندثر منها، خاصة فيما يتعلق "بمَحْبس النحاس" الذي كانت العروس الجزائرية تأخذه معها في حمام ليلة عرسها وبعض الأواني النحاسية القديمة.
صاحب المحل حسين زغنون، كشف لـ"العين الإخبارية" للمرة الأولى عن تاريخ هذا المحل، ويقول "إن هذا المحل كان منذ القدم عبارة عن مصلى لسكان المنطقة، قبل أن تحوله السلطات الاستعمارية الفرنسية إلى حانة لبيع الخمور، ثم باعه صاحبه من المستوطنين الفرنسيين إلى جدي في خمسينيات القرن الماضي، حيث كان يضع فيه بعض ما تجود به الصناعة التقليدية للجزائر العاصمة والمدن القريبة منها، ليتوسع نشاط المحل بعد استقلال الجزائر، وانتقل إلى الأبناء، وما زلنا محافظين عليه أكثر من أي وقت سابق".
"يوفر المحل عديدا من القطع التقليدية من جميع المناطق الجزائرية، وتجد نفسك غير مضطر للتنقل بين محل وآخر لشراء قطعة ما أو التعرف عليها، فهذا المحل يوفر لك الكثير ويعود بك إلى ما افتقدناه من أحذية تقليدية وألبسة نسائية ورجالية تقليدية وغيرها"، كما قالت سيرين (25 عاماً) القادمة من محافظة تبسة الواقعة شرق الجزائر في حديث مع "العين الإخبارية".
وأضافت: "المشكل الوحيد الذي نصادفه في كل المحلات تقريباً هو ارتفاع أسعار مختلف القطع التقليدية، لكننا مع ذلك نجد الجودة والأصالة التي نبحث عنها، منها ما نأخذها للزينة في منازلنا، وأخرى تقتنيها العرائس اللاتي تفضل بعضهن شراء بعض الأغراض كالمحبس وأوانٍ نحاسية القديمة وأخرى مصنوعة من الفخار خاصة تلك القادمة من منطقة تمنراست الجزائرية".
"العين الإخبارية" وهي تتجول في المحل المكون من طابقين، وجدت أن الصناعات التقليدية لـ48 محافظة جزائرية تجتمع في محل "الأسواق العاصمية" رغم صغر حجمه.
ففي الطابق السفلي الذي ينقسم إلى جزأين، توجد أرائك تقليدية صغيرة أو كما تسمى في الجزائر "البوف" المصنوعة من الجلد، وزرابي تقليدية من منطقتي تيزيوزو (شرق الجزائر) وغرداية (جنوب الجزائر)، وستائر تقليدية مصنوعة من "القطيفة".
كما توجد الصناعة التقليدية الخاصة بالنحاس، ما تعلق منها بأشكال مختلفة من بينها مصابيح قديمة، ومزهريات، وساعات حائطية، وأشكال أخرى "للشيشة واليد والمدفع وغيرها"، إضافة إلى أوانٍ نحاسية من بينها "سينية (صينية) النحاس الأبيض والأصفر"، مستلزمات العروس قديماً الخاصة بالحمام والجهاز، وكؤوس، ومروحيات نحاسية، وأشكال مخصصة للشموع، ومهراس وكثير من الأشكال التي بقيت من أبرز الصناعات التقليدية لعدد من المناطق الجزائرية إلى يومنا هذا، وكذلك الحلي التقليدية الجزائرية المصنوعة من الفضة.
كما توجد بالمحل مختلف الأواني والأشكال المصنوعة من الفخار التي ترمز إلى الهوية الأمازيغية للجزائريين، إذ نجد صحوناً وأغراضا أخرى للمطبخ وأشكالاً للزينة في المنازل، بها أشكال منطقة الأهقار بأقصى الجنوب الجزائري المعروفة برموزها ونقوشها التي حيرت العلماء والتي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
الألبسة التقليدية زينت هي الأخرى ديكور المحل، إذ نجد اللباس القديم للرجل العاصمي (سكان الجزائر العاصمة) المتكون من سروال يسمى "بودَلِّيوة" وقميص وما يشبه المئزر لكن بدون الذارعين والطربوش، وهناك سترة أخرى شبيهة بها مطرزة بخيوط ذهبية كان يرتديها رجال الجزائر العاصمة في مختلف مناسباتهم الاجتماعية والدينية.
إضافة إلى بيع المحل الطربوش العاصمي القديم، مع ألبسة تقليدية قديمة للمرأة الشَّاوية الأمازيغية في شرق الجزائر، والجبة القبائلية، حتى أن الدمى موجودة بالمحل، وأبدع أصحابها في تزيينها بألبسة تقليدية جزائرية، والتي توجد غالبيتها في الطابق العلوي من المحل.
ما لفت انتباه "العين الإخبارية" أيضا في المحل وجود قطع تقليدية فرعونية من مصر، حيث ذكر صاحب المحل أنه اشتراها في آخر زيارة له إلى مصر، لكن لماذا توجد قطع تقليدية من دول عربية في محل مخصص لبيع الصناعات التقليدية الجزائرية القديمة والحديثة فقط؟
هذا هو السؤال الذي طرحته "العين الإخبارية" على حسين زغنون، حيث قال "إن للقطع الأثرية التقليدية المصرية أهمية كبيرة عند الزبون الجزائري، فهو يوليها اهتماماً كبيراً، وفي أقل من أسبوع أبيعها جميعاً، حتى أن كثيرا من زبائن المحل يلحون علينا لجبلها معنا عند زيارتنا إلى مصر وتوفيرها بشكل دائم في المحل".
وأضاف: "وضعنا قطعا تقليدية مختلفة من المغرب وتونس، لكن القطع التي تمثل الحضارة الفرعونية المصرية هي الأكثر إقبالاً من قبل الجزائريين ومن غالبية المدن الجزائرية، كما أن المحل يلقى أيضا إقبالاً من السياح القادمين من مختلف الدول العربية والأوروبية وحتى من أستراليا والولايات المتحدة الذين يفضلون كل ما له صلة بالصناعات التقليدية الجزائرية الأصيلة".
وعن طريقة عمل المحل، يقول حسين زغنون: "هناك سلع خاضعة لطلب الزبون، وأخرى تخضع لتاريخ تلك القطع وجودتها، لكن فيما يتعلق بالأسعار فهناك قطع أسعارها باهظة وأخرى بأسعار معقولة، وهذا يخضع للجودة وللمادة التي تصنع منها كل قطعة تقليدية، كما نتعامل مع مختلف الحرفيين الموجودين في كامل المحافظات الجزائرية".