المصالحة الجزائرية.. 13 عاما على ميثاق غيّر وجه البلاد
الذكرى الـ13 لاستفتاء شعبي على ميثاق للمصالحة أنهى أزمة سياسية وأمنية خلال عشرية التسعينيات خلفت قرابة 200 ألف قتيل.
أحيت الجزائر، اليوم السبت، الذكرى الـ13 لاستفتاء شعبي على ميثاق للمصالحة أنهى أزمة سياسية وأمنية خلال عشرية التسعينيات، خلفت قرابة 200 ألف قتيل وركودا اقتصاديا، كما كان مرحلة فاصلة في حياة البلاد التي تسعى إلى تسويقه كنموذج لحل أزمات في المنطقة.
وشهدت عدة محافظات جزائرية اليوم فعاليات شعبية ورسمية، أحيت ذكرى استفتاء جرى في 29 سبتمبر 2005 سمي "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، والذي تضمن عفوا مشروطا عن المسلحين الذين تخلوا عن الإرهاب.
ويشترط الميثاق أن يكون العفو على من لم يتورطوا في الاختطافات والمجازر الجماعية للجماعات الإرهابية فقط، وكانت قد سبقت الميثاق قوانين أخرى للعفو، الأول سمي "قانون الرحمة" عام 1995، والثاني قانون الوئام عام 2000.
وأسهمت هذه التدابير في نزول آلاف المسلحين من الجبال وإطلاق سراح سجناء متهمين بالإرهاب وتعويض المفقودين، كما أدت إلى تراجع محسوس للعمليات الإرهابية في البلاد والتي كانت عائقا أمام أي برنامج تنموي وفق السلطات.
جدار أمام دسائس الفوضى
قال محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية الجزائري، اليوم السبت، بمناسبة الذكرى إن "ميثاق المصالحة جفف منابع الإرهاب في الجزائر وحقن الدماء".
وكان الرئيس الجزائري أكد في رسالته للجزائريين سنة 2015 بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة للمصادقة على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أن "لم الشمل الذي تحقق بفضل خيار الخلاص هذا، شكل الجدار الذي عصم الجزائر من المناورات والدسائس التي استهدفتها باسم الربيع العربي".
والعام الماضي صرح عبدالقادر مساهل، وزير الخارجية الجزائري في مؤتمر دولي حول مكافحة الإرهاب بالعاصمة الجزائر، أن "المصالحة الوطنية شكلت بالنسبة للجزائر خيارا أسهم بشكل حاسم في وقف إراقة الدماء والقضاء على التهديد الإرهابي الذي كان يحدق بالبلاد، وفي استتباب السلم والأمن وفي إعادة بعث ديناميكية التنمية الاجتماعية والاقتصادية".
ولا تزال تدابير هذا الميثاق سارية إلى الآن في الجزائر، حيث تتوالى دعوات من السلطات ومن الجيش لبقايا الإرهابيين من تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين لتسليم أنفسهم.
وبدأ هذا المشروع مع وصول الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، عندما أعلن أن أهم ملفين في برنامجه هو إعادة السلم إلى البلاد وعودة الجزائر إلى مكانتها في الساحة الدولية، بعد أن كانت تعاني من حصار غير معلن في التسعينيات من القرن الماضي بسبب الأزمة الأمنية.
500 طفل ولدوا في الجبال
ويقول المحامي مروان عزي، الذي ترأس سابقا لجنة غير حكومية لمتابعة تطبيق ميثاق المصالحة، إن "من نتائجه أن أكثر من 15 ألف شخص استفادوا من تدابيرها ووضعوا أسلحتهم، كما أطلق سراح المساجين، وسمح للبعض الآخر من دخول الجزائر بعدما كانوا خارج الوطن".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "الاستفادة من الميثاق تعني أنه تم تحييد خطر المسلحين وإبعادهم عن العمل المسلح، ومن ثم عاد الأمن والاستقرار وأنهى خطرا داهم على المجتمع".
وأشار عزي إلى أن من الإجراءات المهمة في المصالحة أنها شملت المفقودين، واعتبرت الدولة جميع الأسر بما فيها من صعد أبناؤهم إلى الجبل ضحايا للمأساة الوطنية ويستفيدون من إعانات مالية، وهذا منذ الشروع في تطبيق الميثاق سنة 2006.
وأضاف عزي أنه منذ هذا التاريخ تمت معالجة 32 ألف ملف وطنيا لضحايا المأساة في ظرف 10 سنوات، وعند التطبيق ظهرت فئات أخرى تريد أن تشملها التدابير مثل معتقلي الصحراء والمتضررين اقتصاديا والأطفال المولدين في الجبال وعددهم 500 طفل، أعمارهم بين 5 إلى 15 سنة عادوا إلى المجتمع، وتم التكفل ببعضهم في دور الأيتام.
خسائر بـ30 مليار دولار
من جهته قال بوجمعة صويلح، الخبير الدستوري الجزائري لـ"العين الإخبارية": "المصالحة الوطنية هي قيمة سياسية ذات بعد شعبي تعبر عن الذاكرة الشعبية والضمير الجمعي، حيث جاءت بعد أحداث أليمة عرفتها البلاد سميت بالمأساة الوطنية، خلفت 200 ألف قتيل و30 مليار دولار خسائر اقتصادية جراء التخريب وهدم البنى التحتية، وأكثر من مليون ونصف مليون من اليتامى والثكالى".
وأضاف صويلح، برلماني سابق، أنه بعد سنوات من الحل الأمني ظهرت أحزاب ومنظمات المجتمع المدني تقول إن الأزمة متعددة الأبعاد ولا بد من الحوار، وتدريجيا جرى الخروج من استعمال القوة إلى استعمال سياسات وأساليب الرحمة والوئام المدني.
وحسب صويلح، فقد جاء الرئيس بوتفليقة عام 1999 ووضع لبنة المصالحة الوطنية وعمل على تجسيدها وتفعيلها، ويشهد له أنه أعاد الأمن والاستقرار ولم لحمة الشعب.
وأضاف "لا بد من الحفاظ على المصالحة وتفعيلها وتجفيف ينابيع الغضب، ولا بد من استكمال المسار عبر إصلاحات تعزز دولة الحق والقانون والحريات وتكافؤ الفرص".
وأوضح صويلح أن هذه التجربة الجزائرية في المصالحة أصحبت معروفة اليوم عالميا، بدليل تبني الأمم المتحدة يوما عالميا للعيش في سلام في 16 مايو/أيار من كل عام بمقترح جزائري.
صلاحية النموذج الجزائري
سعى عدة مسؤولين جزائريين خلال السنوات الأخيرة من أجل "تصدير" نموذج المصالحة لدول تعيش أزمات، وكانت البداية من رعاية الجزائر وساطة دولية في جارتها الجنوبية مالي، انتهت بتوقيع اتفاق بين باماكو والحركات المتمردة في الشمال، سمي "اتفاق السلم والمصالحة في مالي عام 2015".
ولاقى ميثاق المصالحة إشادة لدى عدة مسؤولين أجانب زاروا الجزائر سابقا، رغم انتقادات من منظمات حقوقية له.
كذلك أعلن مسؤولون في دول تشهد أزمات رغبتهم في الاستفادة من التجربة الجزائرية مثل ليبيا وسوريا.
وأشاد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد بن عبدالكريم العيسى، خلال زيارة للجزائر خلال الأيام الماضية، بتجربة المصالحة الجزائرية.
وصرح خلال لقائه برئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح أن المصالحة تعتبر بمثابة "المنعطف الهام في تاريخ الإنسانية، والتي يجب الاستلهام منها من أجل إحلال الأمن والسلم في العالمين العربي والإسلامي وباقي العالم.
وثمن العيسى مجهودات رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة من أجل تحقيق المصالحة الوطنية التي تعبر عن الوسطية وعن فهم صحيح لديننا الإسلامي.
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز