استفتاء الدستور بالجزائر.. 24 مليون ناخب يحددون شعبية تبون
يتوجه، غدا الأحد، أكثر من 24 مليون ناخب جزائري إلى صناديق الاقتراع، في أول استفتاء شعبي على تعديل الدستور منذ 25 عاماً.
ومنذ انتخابه نهاية العام الماضي، اعتبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن تعديل الدستور يعد "أولوية الأولويات" في ولايته الرئاسية.
وتعهد تبون بأن "يُحدث القطيعة مع ممارسات النظام السابق وينهي الحكم الفردي ويضع حداً للصلاحيات الإمبراطورية لرئيس البلاد" التي جاء بها دستور فبراير/شباط 2016 في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
وتسببت جائحة كورونا في خلط أجندة أولويات الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي كان تبون ينوي مباشرتها بعد تسلمه مقاليد الحكم في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، بما فيها التعديل الدستوري الذي تم إرجاؤه من الربع الأول لهذا العام إلى نهايته.
- استفتاء الجزائر.. البدو يصوتون والأمن يرصد تحركات الإخوان
- انتخابات برلمانية مبكرة بالجزائر عقب الاستفتاء
وللمرة الأولى منذ استقلال البلاد، اختارت السلطات الجزائرية، يوم الأحد، موعداً لإجراء الاستفتاء الشعبي على الدستور، بعد أن كان يوم الخميس، مخصصاً لكل المواعيد الانتخابية بما فيها الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية والاستفتاءات الشعبية.
واختارت الرئاسة الجزائرية موعد الأول نوفمبر/تشرين الثاني لإجراء أول استحقاق انتخابي في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، والمتزامن مع احتفالات البلاد بالذكرى الـ66 لاندلاع الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 – 1962).
واعتمدت الجزائر شعاراً رسمياً للاستفتاء الشعبي، مستمداً أيضا من الثورة التحريرية وهو "1954 نوفمبر التحرير.. 2020 نوفمبر التغيير"، معتبرة أن موعد الأحد الانتخابي "سيأتي بالاستقلال الثاني للبلاد" من خلال القطيعة مع سياسات نظام بوتفليقة.
فيما اعتبرها المعارضون لما جاء في التعديل الدستوري "محاولة لاستعطاف الجزائريين واللعب على وتر ما يعرف بالشرعية الثورية لتفادي حرج نسب التصويت الضعيفة".
24 مليون ناخب
كشف، السبت، محمد شرفي رئيس السلطة المستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات بالجزائر عن أرقام تتعلق بالاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري، الذي سينطلق، الأحد، في كامل محافظات البلاد.
وبلغ عدد التجمعات الانتخابية الخاصة بالحملة الانتخابية حول الاستفتاء 1905 تجمعات نظمتها أحزاب ووزراء وشخصيات سياسية أخرى، دعت الجزائريين لـ"التصويت بقوة" يوم الاستفتاء.
وأوضح محمد شرفي بأن عدد الهيئة الناخبة الرسمية والنهائية (الناخبين) بلغ 24 مليوناً و453 ألفاً و310 ناخبين، مسجلة أسمائهم فيما يعرف بـ"البطاقة الانتخابية" التابعة لسلطة الانتخابات بعد أن كانت من صلاحيات وزارة الداخلية.
ووصل عدد المراكز الانتخابية 13 ألفاً و193 مركزاً انتخابياً، تضم 60 ألفاً و613 مكتب تصويت داخل الجزائر، وكذا 43 مركزاً انتخابياً خارج البلاد.
وقدر "شرفي" عدد المكاتب المتنقلة بـ139 مكتباً، فيما وصل عدد المؤطرين من الموظفين والأساتذة 438 ألف مؤطر في جميع مكاتب ومراكز التصويت.
وللمرة الأولى تكشف سلطة الانتخابات عن عدد أوراق التصويت في إشارة إلى ورقتي "نعم" و"لا"، وبلغ عددها 56 مليونا و654 ألف ورقة، تم إرسالها إلى كافة مراكز ومكاتب التصويت داخل وخارج البلاد.
وكذا 10 آلاف قنينة من الحبر الفوسفوري المستورد من النرويج، وهو الحبر الذي يستعمله الناخبون بعد أداء واجبهم الانتخابي، حيث تعتمد الجزائر على بصمة الناخب بالحبر عوضاً عن التوقيع اليدوي في السجلات المخصصة بأسماء المصوتين.
استفتاء افتراضي
وفي الوقت الذي تتهيأ فيه السلطات الجزائرية لأول استحقاق انتخابي في عهد تبون، لم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي من حالة الجدل والنقاش حول ما تضمنه مشروع التعديل الدستوري.
ورجح محللون سياسيون جزائريون لـ"العين الإخبارية" أن يشهد الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري "نسب مشاركة كبيرة مقابل تراجع نسب العزوف والمقاطعة" مقارنة بالمواعيد الانتخابية التي جرت في العقد الأخير.
إلا أنهم أجمعوا على ما وصفوه "صعوبة التكهن بنتائج الاستفتاء بشكل غير مسبوق، وسجلوا "اهتماماً شعبياً لافتاً بمضمون التعديل الدستوري، خصوصاً المواد التي أثارت الكثير من الجدل".
ورصدت "العين الإخبارية" منذ الأسبوع الماضي، ارتفاع وتيرة النقاش بين الجزائريين سواء عبر منصات التواصل أو في نقاشاتهم بالشوارع والمقاهي.
ولجأ عدد من رواد مواقع التواصل في سابقة هي الأولى من نوعها، إلى نشر استفتاء افتراضي عبر صفحاتهم الخاصة على موقع "الفايسبوك" لمعرفة توجه الجزائريين للتصويت بـ"نعم" أو "لا" على تعديل الدستور.
وكان لافتاً تفاعل الجزائريين واستجابتهم لموضوع انتخابي بعد عقود من العزوف والمقاطعة من خلال التعليقات الهائلة.
وكذا ميل كفة "لا" على حساب "نعم" في كثير من نتائج سبر الآراء الذي أجراه عدد من الجزائريين والصفحات المهتمة بالشأن السياسي الجزائري.
صراع بين الـ"نعم" والـ"لا"
أثارت عدة مواد دستورية مقترحة على الاستفتاء الشعبي جدلاً واسعاً في الجزائر، بينها مسألة "اللغة الأمازيغية".
وأدرج مقترح الدستور "مادة صماء" "تقر بأن اللغة الأمازيغية ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري"، فيما دافعت السلطة الجزائرية عن المادة، وأكدت بأن الأمازيغية "جزء لا يتجزأ من هوية الجزائر مثلها مثل الإسلام واللغة العربية".
بالإضافة إلى مادة دسترة "حرية المعتقد ضمن القانون الجزائري"، وأخرى أجازت منح صلاحيات تسيير أوسع لبعض البلديات، وهو ما اعتبره الرافضون "خطراً على البلاد وتمهيدا لحكم فيدرالي" على حد تعبيرهم.
وانقسم الجزائريون بين مؤيد لما جاءت به التعديلات الدستورية، ورأوا بأنها "كرست مطالب حراك 22 فبراير/شباط 2019، ومؤشراً حقيقياً على بداية التغيير الجذري الذي يوصل البلاد إلى الجمهورية الجديدة ويمنح صلاحيات واسعة للبرلمان والقضاء ويقلص صلاحيات رئيس البلاد، ويقطع الطريق على كل المستفيدين من نظام بوتفليقة وفترة التسعينيات" بينهم جماعة الإخوان.
وجبهة ثانية عبرت عن "خيبة أملها" من محتوى المشروع التمهيدي للدستور، ووصفت بعضاً من بنوده بـ"المفخخة والتجاوز الخطر والامتداد للنظام السابق والتنازل المجاني والغامض عن مبادئ لم يجرؤ أي رئيس جزائري على طرحها"، وطالب أنصاره الجزائريين بالتصويت بقوة يوم الاستفتاء بـ"ورقة لا لإسقاط الدستور المقبل".
أما الفئة الثالثة فقد قررت مقاطعة التصويت في الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور، كانت مواقفها أكثر حدة تجاه السلطة الجزائرية، ورأت بأن ما جاءت به من تعديلات "يؤكد عدم جديتها في إحداث التغيير وبأنها تسعى لربح الوقت حفاظاً على بقاء النظام ذاته الذي حكم البلاد منذ استقلالها".
وأشار خبراء جزائريون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" بأن الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور سيكون بمثابة "الاختبار الصعب لشعبية" رئيس البلاد عبدالمجيد تبون، بعد انتخابات الرئاسة العام الماضي التي أوصلته للحكم بأغلبية مطلقة.
وخرج عشرات المتظاهرين في الأيام الأخيرة ببعض المحافظات الجزائرية في مسيرات رافضة للاستفتاء الشعبي، وطالبت بـ"رحيل النظام الحالي" وأبدت "عدم اعترافها به وبالمواعيد الانتخابية".
شعبية تبون
ويرى مراقبون أن حصول التعديل الدستوري على الأغلبية في استفتاء الأحد، سيكون بمثابة "البداية الجديدة للرئيس عبد المجيد تبون" الذي سيكون غائباً عن التصويت بعد نقله لألمانيا للعلاج من فيروس كورونا.
وفيما يتعلق بالحراك، يرى متابعون أن أغلبية من شاركوا فيه العام الماضي فضلوا مراقبة الوضع السياسي وترقب نتائج مختلف القرارات التي تتخذها السلطة الجديدة، سواء بمشاركتها في الاستفتاء أو المحافظة على مواقفها السابقة العازفة أو المقاطعة لكل الاستحقاقات الانتخابية التي تنظمها السلطة.
واختار جزء منه مواصلة المظاهرات رغم التراجع الكبير لزخمها خصوصاً بعد تشكيك كثير من الجزائريين فيما يقولون إنها "جهات مشبوهة تقف وراء استمرار المظاهرات"، وذكروا من بينها ما يعرف بـ"حركة رشاد" الإخوانية في سويسرا المنبثقة عن "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" المحظورة.
ووصف رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد يوم الاستفتاء الشعبي على الدستور بـ"يوم التوافق" وقائد الأركان الفريق السعيد شنقريحة بـ"يوم النصر".
وقال الوزير الأول، عبد العزيز جراد، الذي عيّنه تبون في جانفي الماضي، أمام البرلمان مؤخرًا، إن الاستفتاء يجب أن يكون “يوم توافق” بين جميع الجزائريين. ويعزز حديث جراد خطاب تبون، الذي يؤكد أن المظاهرات الشعبية، التي أطاحت بالمسؤولين الفاسدين، حققت أهدافها، ولم يعد هناك أي مبرر للاحتجاج.