المجتمع المدني والسياسة بالجزائر.. دعوات "الانخراط" تفجر الجدل
مقاربة سياسية جديدة بالجزائر لإشراك المجتمع المدني في الحياة السياسية تثير جدلاً.. وخبراء يوضحون لـ"العين الإخبارية" خلفياتها وأهدافها
أثارت تصريحات أخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول "أهمية دور المجتمع المدني في مستقبل البلاد" الكثير من الجدل وحتى اللغط لدى شخصيات معارضة وأخرى من الحراك.
وفي الوقت الذي احتدم فيه النقاش بين ممثلين عن الحراك وشخصيات معارضة، بقيت الأحزاب السياسية بموالاتها ومعارضتها في حالة "السبات السياسي" للشهر الخامس على التوالي، بـ"شكل غير مسبوق ولأسباب ظلت مجهولة".
- تعيين قائد جديد للدرك الوطني في الجزائر
- وسط اتهامات بـ"مؤامرة".. تبون يقيل قادة الشرطة بـ34 محافظة جزائرية
تبون استغل إحدى مقابلاته التلفزيونية ليوجه رسائل سياسية للداخل عن نظرته لمستقبل المشهد السياسي في البلاد، والذي سبق لخبراء جزائريين أن توقعوا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" بأن يعرف "تغييرا جذرياً قد يصل إلى درجة الزلزال السياسي الذي يُخفي أحزاباً وتيارات سياسية عن المشهد، أو يطيح بقيادات كثير منها".
وأكد الرئيس الجزائري أهمية المجتمع المدني في "استعادة زمام الأمور"، وتعهد بـ"أن يعيد له حقه في التسيير"، مستنداً في ذلك إلى دعم فعاليات المجتمع المدني له في ترشحه لانتخابات الرئاسة العام الماضي التي أوصلته إلى سدة الحكم بأغلبية مطلقة.
وتطرق إلى أسباب فوزه بالانتخابات مقارنة بسلفه المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بالتأكيد على أن ترشحه للرئاسيات لم يكن بـ"أصحاب المال أو غيرهم أو حتى باسم الحزب الذي أنتمي إليه" في إشارة إلى "جبهة التحرير الوطني" الذي كان حاكماً في عهد بوتفليقة لعقدين كاملين ودعم منافسه عز الدين ميهوبي في رئاسيات 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
كما جدد تبون رفضه أن "يكون خاضعاً لأي حزب سياسي" عندما أكد أنه "رئيس لكل الجزائريين"، في إشارة إلى عدم رغبته أن يكون "رهينة أي توجه سياسي".
مقاربة جديدة
رغبة الرئيس الجزائري في أن يلعب المجتمع المدني دوراً في مستقبل البلاد أو كما يسميها بـ"الجزائر الجديدة" جسدها أكثر الشهر الماضي عندما كلف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر نزيه برمضان بمنصب "مستشار له مكلف بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج" في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الرئاسة الجزائرية.
برمضان وفي أول ظهور إعلامي له، تحدث عن "مقاربة سياسية جديدة" يريدها الرئيس عبد المجيد تبون، تعتمد على "استشارة المجتمع المدني بكل مكوناته لبناء الجزائر الجديدة وإشراكه في التفكير ووضع التصورات بالنسبة لمستقبل البلاد".
كما أقر المستشار الرئاسي بأن فعاليات المجتمع المدني ستكون بمثابة "الحاضنة السياسية لتبون" وهو يتكلم عن "أهمية الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني في رسم السياسات المستقبلية في إطار إعادة تفعيل الديمقراطية التشاركية".
ويبدو واضحاً أن السلطة الجزائرية الجديدة تتجه لإعادة صياغة المشهد السياسي يكون فيها المجتمع المدني "كلمة السر في دعم وتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي ينوي الرئيس الجزائري تطبيقه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً".
وانقسم المتابعون والمهتمون بالشأن السياسي في الجزائر إزاء المقاربة الرئاسية الجديدة، بين من اعتبرها "نتيجة حتمية لفشل الأحزاب السياسية التي تجاوزها ملايين الجزائريين بعد خروجهم في أضخم مظاهرات تعرفها البلاد مطالبة بالتغيير الجذري ورافضة لأي دور لهم العام الماضي".
وعدها آخرون "محاولة لتسييس المجتمع المدني وإخراجه عن دوره الاجتماعي والاقتصادي، وخطراً يأتي على ما تبقى من مشهد سياسي منهك من فترة بوتفليقة وانتقاماً من الأحزاب السياسية التي رشحت بوتفليقة من قريب أو بعيد أو من التي أبدت معارضتها لانتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 وأخرى لها صلات بدول أجنبية مثل تيارات إخوانية".
بينما دعا آخرون إلى "عدم التسرع في إعطاء أحكام مسبقة على مقاربة لم تتضح معالمها بعد"، واعتبروا أن معالم الدستور المقبل وتعديل قانون الانتخابات ستكون "الحجة التي تُسمكن من معرفة وفهم كيف ستكون الواجهة السياسية للجزائر في المرحلة المقبلة".
أولوية سياسية
أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الرحمن بن شريط عاد إلى ما يراه خلفيات المقاربة السياسية لتبون التي دفعته لأن يعطي أولوية للمجتمع المدني في صياغة القواعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة للبلاد.
وقال، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "المنظومة السياسية السابقة جعلت من المجتمع المدني وسيلة للابتزاز وتم توظيفه واختراقه وتوجيهه، وأعتقد أن تبون يريد بناء المجتمع المدني بأن يكون في مستوى من الوعي وأن يختار الأشخاص الذين يكونون في مستوى طموح الجزائريين ولا يتم شراء ذممهم أو التأثير".
وأوضح بأنه "لا يمكن تأويل تصريحات تبون بأي تأويل سلبي لأن الدعوة إلى الوعي والتجند من طرف المجتمع المدني، ولا يوجد أي شيء يدفع رئيس الجمهورية أو يضغط عليه ليدلي بذلك التصريح، وكان بإمكانه اللجوء إلى أساليب أخرى للاستدراج كما حصل في عهد بوتفليقة، سواء ضد المعارضين له أو في اختراق الحراك أو غيرها".
وأضاف أن تصريح تبون "يؤكد وجود رغبة سليمة من طرف السلطة لتعبئة الشارع والمجتمع المدني حتى يكون على مستوى الحدث، حتى إن المجتمعات الغربية تحل مشاكلها دون الرجوع إلى السلطة أو الأحزاب السياسية، وهناك مشاكل كثيرة بإمكان المجتمع المدني أن يحلها بالرجوع إلى القانون والانضباط وبطرق سليمة وسلمية للدفاع عن حقوق مختلف فئات المجتمع".
حماية من الاختراق
كما تحدث الدكتور بن شريط عن زاوية أخرى لطالما أثارت الكثير من الجدل في الجزائر ومخاوف سلطاتها الرسمية، والمتعلقة بـ"اختراق وتوظيف أطراف أجنبية لبعض فعاليات المجتمع المدني".
وأشار إلى تجارب وحقائق سابقة خطرة "عن قيام أطراف أجنبية باختراقه، ويمكن لها أن تستعمله ضد مجتمعه، وما نخشاه أن تكون ورقة الهجرة غير الشرعية ورقة ابتزاز تتلاعب بها أطراف أجنبية".
واستطرد قائلا: "بإمكان المجتمع المدني من خلال هذه النفحات السياسية القادمة أن يلعب دوراً مهماً، وأن نطور خطاباً معيناً لتحريك الآليات التي تجعل المواطن أن يتبنى مشاكله وأن لا يبقى عالة على الدولة".
وللخبير القانوني الدكتور عامر رخيلة رأي آخر، إذ اعتبر في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه "لا يمكن تعويض الأحزاب السياسية بالمجتمع المدني"، متوقعاً في السياق "فشل المراهنة على الحركة الجمعوية".
ويرى رخيلة أن "للمجتمع المدني دور آخر لا علاقة له بالسياسة لا يكون له أي مقابل مادي أو سياسي، وللأسف هناك خلط في الجزائر حول المجتمع المدني وغايات نشاطه، والحركة الجمعوية هي حركة مطلبية، لكن النظام السابق سعى لأن تكون مرتبطة به".
وأضاف أن "رئيس الجمهورية يوظف المجتمع المدني في خطاباته بشكل لم يحصل مع أي رئيس سابق، وهذا ما يدل على أن السلطة الجزائرية لا تملك قاعدة حزبية ولا اجتماعية، والسعي بإعطاء دور للحركة الجمعوية هي محاولة لإخراجها من سباتها وللعودة إلى الشارع، وهناك الكثير منها التي لها استعداد كامل للدخول في أعمال تطوعية بدون مقابل".
ويرى الخبير في القانون الدستوري أن إصلاح الوضع السياسي "لا بد أن يمر أيضا عبر تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب".
وتوقع في المقابل فشل المقاربة السياسية الجديدة في حال "مراهنتها فقط على المجتمع المدني"، مبرراً ذلك بأنه "سيحدث خللاً كبيراً في الوضع السياسي".