مواجهة الإرهاب واحتواء أزمة ليبيا.. تنسيق استراتيجي بين الجزائر تونس
برسائل متعددة، رسمت الجزائر وتونس محورا جديدا في المنطقة فرضته التحديات الأمنية والاقتصادية المتسارعة.
كانت تلك قراءة متعددة الجوانب لخبيرين جزائريين في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" لأبعاد زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس.
وفي نظر الخبيرين فإن طبيعة العلاقة بين البلدين "تاريخية واستراتيجية منذ عدة عقود"، إلا أن زيادة منسوب التحديات الأمنية تحديدا ألزم الجزائر وتونس على إعادة بلورة تلك العلاقة في قالب "محور استراتيجي".
إنه محور يقول الخبيران إن من مسببات ظهوره للعلن هو الأزمة الليبية وتداعياتها الأمنية على المنطقة، وكذا توسيع التنسيق الأمني لمحاصرة مخططات تمدد الجماعات الإرهابية نحو حدود البلدين، سواء الناشطة في الجنوب الليبي ومنطقة الساحل، أو على حدود البلدين عبر جبال الشعانبي.
ويرى الخبيران أن زيارة تبون الأولى لهذا البلد المغاربي حملت معها أيضا "رسائل دعم مطلق" للسلطة التونسية في ظل التوترات السياسية والاقتصادية التي تشهدها، وسط مخاوف جزائرية من انتقال حمى التوترات الأمنية إلى جارتها الشرقية وهي التي تعيش منذ أزيد من عقد في إقليم متوتر من مالي إلى ليبيا مرورا بالنيجر.
زيارة "فوق العادة"
وحتى قبل الزيارة، كان واضحاً استباق البلدين المغاربييْن قمة تبون – سعيد بتحضيرات غير مسبوقة في الزيارات الخارجية لرؤساء الجزائر.
وبرزت "الأهمية القصوى" التي أولاها البلدان لهذه القمة في تغيير الرئاسة التونسية بروتوكول استقبال الرؤساء عند استضافتها للرئيس الجزائري عبد المجيد، وفق ما أكده في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي.
تغيير لم يكن شكلياً فقط في طبيعة وأجندة القمة الجزائرية التونسية، بل كان بارزا في طبيعة الملفات التي طُرحت على طاولة رئيسي البلدين، وكذا في العبارات التي صدرت عن تبون وسعيد والتي قرأها مراقبون على أنها تعدت "المجاملات الدبلوماسية" إلى عناوين لمحور جديد اسمه "محور الجزائر – تونس" وفق الخبيرين.
والأربعاء، وقعت الجزائر 27 اتفاقية في عدة مجالات بحضور الرئيسين التونسي قيس سعيد والجزائري عبد المجيد تبون تتعلق بـ: العدالة، الداخلية، الطاقة والمناجم، الصناعات المتوسطة والمصغرة والناشئة، الصناعات الصيدلانية، البيئة، الشؤون الدينية، التربية والتكوين المهني، الصيد البحري، الإعلام الآلي والثقافة.
الأزمة الليبية
وطغت الأزمة الليبية على ثاني قمة جزائرية – تونسية، إذ كشف الرئيس التونسي قيس سعيد عن وجود تنسيق مع الجزائر بخصوص الوضع في ليبيا، وشدد على أن الحل بهذا البلد العربي يجب أن يكون "ليبياً – ليبياً".
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الجزائري، وصف الرئيس قيس سعيد تنسيق بلاده مع الجزائر حول الوضع في ليبيا بـ"التنسيق الكامل والمستمر والموحد والثابت".
بالإضافة إلى ذلك، كان لجلوس وزيرا داخلية البلدين أمام الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد "بدل وزيري الخارجية" دلالة وفق ملاحظات بعض المتابعين للقمة، وهو البروتوكول الذي أعطى الانطباع بـ"أولوية الملفات الأمنية".
ملفات يقول الخبراء إن مضامينها مرتبطة بزيادة التحديات والتهديدات الإرهابية المحيطة بالبلدين بالتوازي مع خشية البلدين من "احتمال تأجيل الانتخابات في ليبيا"، معتبرين أن توقيت قمة البلدين "فيه رسائل واضحة" عن التنسيق والدعم لليبيا والتأهب المشترك لأي سيناريوهات محتملة.
تنسيق تاريخي
الدكتور إدريس بشير، أستاذ العلوم والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، قدم قراءة تحليلية لمختلف جوانب وأهداف زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس، ركز فيها على جملة التحديات التي تواجه البلدان.
وفي حديث مع "العين الإخبارية" أوضح أن "التنسيق الجزائري التونسي كان منذ عقود بشكل قوي بحكم الروابط والاعتبارات الجغرافية والتاريخية والاستراتيجية، وهذا التنسيق لا يعتبر سابقة بل يدخل في إطار اتجاه خطي، ومنذ 2011 الجزائر رافقت تونس اقتصادياً بمساعدات مالية، بالإضافة إلى التنسيق الأمني بعد ظهور التهديد الإرهابي في جبال الشعانبي لمجابهته".
وأشار إلى أن "تونس بلد مهم بالنسبة للجزائر، وتونس تشهد حالياً تحولات سياسية واضطرابات من شأنها أن تؤثر على الجزائر، ومن مصلحة الجزائر أن يكون هناك تكثيف وتعميق للعلاقات بين البلدين، وذلك له أبعاد استراتيجية على المستوى الإقليمي".
وحدد المحلل السياسي تلك الأبعاد في الأزمة الليبية، وقال إن "الكل يقر أن للجزائر وإلى حد ما تونس دور مهم في حلحلة هذه الأزمة، ومن وجهة نظري فإن الجزائر تحاول إقناع الأطراف الإقليمية والدولية بمقاربتها وتونس من بين الدول التي تعول عليها الجزائر".
واستطرد قائلا: "النقطة الثانية المهمة من منظور التوازنات الإقليمية مثل الوضع في الساحل وتهديدات الإرهاب، فإن الجزائر تحاول بناء نوع من محور لمجابهة تنامي محاور أخرى، وهي تسعى لإعادة بعث نشاطها المغاربي والأفريقي من خلال هذه التحالفات، وهي ضرورية لمجابهة بعض التحديات المشتركة أولها الأزمة الليبية".
بدوره أشار المحلل السياسي عبدالرزاق صاغور إلى التقارب بين البلدين "ليس بالجديد، رغم أن الأزمة الليبية مؤثرة، وزيارة تبون ليس مجرد أمن بل دعم معنوي لتونس التي تعيش أزمة داخلية، وتعبير من الجزائر على أنها موجودة ومساعدة لتونس".
كما لفت إلى القمة العربية التي ستعقد بالجزائر العام المقبل، وأوضح أن الرئيس الجزائري "من مصلحته أن يعزز علاقاته مع كل الدول العربية، وأعتقد أن الزيارة جد عادية".
إقليم مؤثر
ويرى الأكاديمي الجزائري إدريس بشير أن الأزمة الليبية "أثرت على البلدين، وهناك حدود بأكثر من ألف كيلومتر مع ليبيا، ومن الطبيعي أن يكون التنسيق ضروري، وفي حال تأزم الوضع وانفلتت الأمور، خاصة أن هناك سيناريوهات وحديثا عن احتمال تأجيل الانتخابات في ليبيا، وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً وقد يغذي الصراع، والإشكال الذي يُطرح من عودة الحرب الأهلية في ليبيا فإن المتضرر الأول هما الجزائر وتونس، خاصة إن اقتربت من الحدود المشتركة".
مضيفاً أن "استمرار الأزمة الليبية كان مكلفاً اقتصادياً للبلدين خصوصاً تونس التي تعاني من مشاكل اقتصادية ونوع من الهشاشة لا يمكنها من تسيير الجانب الإنساني والأمني لحدودها، وإن كانت للجزائر إمكانيات فإن احتمال استفحال الأزمة بليبيا يؤثر سلباً على البلدين".
وانطلاقاً من ذلك، أكد الدكتور إدريس بشير أن "التنسيق بين البلدين أصبح أكثر من ضرورة، والبلدان تفطنا منذ 2011 إلى أهمية التنسيق الأمني بينهما".
تنسيق أضاف له المحلل السياسي عبدالرزاق صاغور بأنه جاء نتيجة "وجود إرهاب دولي في ليبيا وكذا مرتع للمخابرات العالمية، والتنسيق الجزائري أكثر كان مع مصر وإيطاليا".
عمق استراتيجي
ولفت إلى أن تونس "تبقى في دائرة السياسة الخارجية الجزائرية وهو الفضاء المغاربي الساحلي، وتونس بلد عمق استراتيجي بالنسبة للجزائر رغم تغير الحكومات، لكن ما نلاحظه مؤخرا أن هذا الجانب الاتصالي له قراءة".
وقال إن "الجزائر أرادت أن تبعث رسالة قوية لتونس على أنها دولة محورية بالنسبة للجزائر، ومنذ العقد الأخير كان هناك فتور في الدبلوماسية الجزائرية إقليمياً، والقيادة الحالية أدركت هذه المسألة وهو ما يفسر الاهتمام بزيارة الرئيس تبون إلى تونس".