جيش الجزائر بالخارج.. "عقيدة استباقية" فرضها إرهاب وحدود ملتهبة
خبيران يلخصان أسباب اعتزام الجزائر تكليف الجيش بمهمات خارجية أبرزها تهديدات الإرهاب والتدخل التركي بليبيا
اعتبر خبيران لـ"العين الإخبارية" أن توجه الجزائر نحو تكليف الجيش بمهمات خارجية فرضتها تحديات ورهانات خطيرة، لم تعد معها "المقاربة التقليدية الدفاعية مجدية"، وتزيد من حجم الضغوط على الأمن القومي للبلاد.
وقال الخبيران الجزائريان إن تخصيص مواد دستورية تؤطر المهام الخارجية للجيش يؤكد أن الجزائر تسير نحو تبني "العقيدة الاستباقية العسكرية" في مواجهة التحديات المحيطة بحدودها الشاسعة والتي تقارب 6 آلاف كيلومتر.
وأكدا في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" أن المناورات العسكرية وحسم الجيش موقفه من مسألة "المهام الخارجية" يؤكدان بأن الجزائر تتجه "لتوسيع الحرب على الإرهاب بتوجيه ضربات للجماعات الإرهابية المتمركزة خارج حدودها الشرقية والجنوبية".
- أول تعليق للجيش الجزائري على المهام "خارج الحدود"
- مسودة الدستور الجزائري الجديد.. بين التفاؤل وخيبة الأمل
ويعزو المراقبون تغيير مقاربة الجزائر، إلى حدودها الملتهبة وهشاشة الأنظمة الأمنية في عدد من الدول المحيطة بها، وتهديدات الجماعات الإرهابية خصوصاً عند الحدود مع ليبيا ومالي.
علاوة أيضا على التدخلات الأجنبية العسكرية القريبة من حدودها على رأسها تركيا، والقواعد العسكرية الأجنبية المحيطة بالجزائر، وكلها باتت تشكل تهديداً صريحاً على أمنها القومي يفرض عليها "تكييف الاستراتيجية العسكرية مع تلك المتغيرات".
حماية الأمن القومي
وأعلن الجيش الجزائري في افتتاحية مجلته الشهرية، الأربعاء، أن التحديات المحيطة بالجزائر "غيرت من مفهوم حماية الأمن القومي الذي لم يعد داخلياً، بل يتجاوز حدودها الجغرافية".
ورأى أن "من شأن هذا الأمر أن يساهم في تفعيل السلم والأمن، خصوصاً بقارتنا السمراء التي تشهد أكبر عدد من النزاعات في العالم وانتشار مهمات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لحفظ السلم في دول نخرتها الحروب والنزاعات".
"العقيدة الاستباقية"
ويقول المراقبون إن التدخل العسكري التركي في ليبيا زاد من قناعة الجزائر بضرورة تغيير توجهاتها الاستراتيجية العسكرية، وألزم عليها ذلك "تبني العقيدة الاستباقية" لحماية حدودها وأمنها القومي من التدخلات الخارجية والجماعات الإرهابية والأطماع الأجنبية.الدكتورة نجوى عابد المختصة في الشؤون الاستراتيجية والقانونية، قالت في حديث مع "العين الإخبارية" إن المقترح الدستوري هو "توجه استراتيجي حدد له المشرع شروطاً للمهمات الخارجية للجيش لضمان الشرعية القانونية بعد اشتراط تصويت ثلثي أعضاء البرلمان".
غير أنها شددت على أن البرلمان "ليس مختصاً في الأمور الاستراتيجية، وهذا من مساوئ البرلمانات التي تجعل من النقاشات الاستراتيجية مفتوحة".
وفسرت التوجه الاستراتيجي الجديد للجزائر على أنه "اعتناق للعقيدة الاستباقية التي لا تعني استعمال القوة ضد جيرانها، لأن من مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية تحريم استعمال القوة أو التهديد بها".
وأشارت إلى المادة 51 من الدفاع الشرعي عن النفس في ميثاق الأمم المتحدة وهو ما يتطلب - بحسب الأكاديمية - "وقوع اعتداء فعلي أو وشيك الوقوع الذي استندت عليه الجزائر التي لها حدود تقارب 6 آلاف كيلومتر غالبيتها مناطق نزاع وحروب ومرتع للجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة".
"الدفاع المتقدم"
وأكدت عابد بأن مناورات "بركان 2020" والتوجه الاستراتيجي الجديد لا يعني أن "الجزائر ستكون في حالة هجوم" بل "في حالة دفاع متقدم، لأن العمل الهجومي غير شرعي عكس العمل الاستباقي".
وحددت أهداف وأسباب التوجه العسكري الجديد في "القواعد العسكرية الأجنبية المنتشرة على حدود الجزائر، وتهديدات الجماعات الإرهابية، وحماية أمنها استباقيا من احتمال استنساخ السيناريوهين الليبي والسوري، والبحث عن لعب دور إقليمي بعد أن اختلت التوازنات في جنوب المتوسط".
واستبق الجيش الجزائري الكشف عن موقفه من مقترح المهام الخارجية للقوات المسلحة، بتنفيذه مناورات عسكرية برية وجوية خلال الأسبوع الحالي، باسم "ردع 2020" و"بركان 2020" في الجهتين الجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية من البلاد.
معالجة التهديدات المحيطة
من جانبه قال الخبير الأمني أحمد كروش في تصريح لـ"العين الإخبارية" إن المقترحين الدستوريين يهدفان "في اعتقادي لتسهيل اتخاذ القرار العسكري بشكل يتماشى مع طبيعة التهديدات".
ولفت إلى أن ذلك يأتي نظرا "لتجارب الجزائر السابقة كان فيها أمنها القومي مهدداً مثل الاعتداء الإرهابي على المنشأة الغازية في تيغنتورين وعلى قنصلية الجزائر في غاو المالية، لكن متخذي القرار في الرئاسة والجيش كانوا مكبلين من الجانبين القانوني والشرعي".
منوهاً بأن التعديل الدستوري يسمح للجزائر بأن "تتبع من يعتدي عليها من المجموعات الإرهابية حتى خارج حدودها، وكذلك إرسال قوات عسكرية إلى واحدة من دول الجوار في إطار التعاون الإقليمي والاتفاقيات الثنائية في حال وجود تهديد إرهابي قد ينتقل إلى الجزائر".
وختم كروش تفسيره للتوجه العسكري الجديد للجزائر، بالإشارة إلى أن التوجه العسكري الجديد للجزائر "سيعطي مساحة أوسع لمتخذ القرار السياسي أو العسكري لمعالجة التهديدات الخطرة التي تمس الأمن القومي الجزائري خصوصاً على مستوى الحدود".
3 ضوابط
وحدد الجيش الجزائري 3 ضوابط لمهامه الخارجية المستقبلية، قرأها متابعون على أنها "رسائل طمأنة للداخل والخارج".
وأكد الجيش على أن مشاركة القوات المسلحة في عمليات حفظ السلام خارج الحدود "يتماشى مع السياسة الخارجية".
بالإضافة إلى إلزام المقترح الدستوري حصول قرار رئيس البلاد بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج"على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان بغرفتيه".
وتضمنت مسودة التعديل الدستوري المعروض على النقاش في الجزائر فقرتين تحددان المهام الخارجية للجيش، وتحديدا في الفقرة الثانية من المادة 31.
ونصت على أنه "يمكن للجزائر في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وفي ظل الامتثال التام لمبادئها وأهدافها أن تشارك في عمليات حفظ واستعادة السلام".
بالإضافة إلى المادة 91 التي ورد فيها أن "رئيس الجمهورية الذي يتولى مسؤولية الدفاع الوطني يقرر إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغلبية الثلثين من أعضائه".