تأجيل المحاكمة بأكبر قضية فساد في الجزائر
القضية يتورط فيها أكثر من 11 مسؤولاً نافذاً في عهد بوتفليقة بينهم رجل الأعمال علي حداد ورئيسا وزراء ووزراء سابقين.
أجلت محكمة جزائرية، الاثنين، جلسة محاكمة تتعلق بأكبر قضية فساد في عهد نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة تتعلق بقضية فساد "تزفيت الطرقات" المعروفة إعلامية بـ"إمبراطورية الزفت" إلى 15 يونيو/حزيران المقبل.
وقررت محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة إرجاء محاكمة قضية الفساد التي يتورط بها أكبر عدد من أركان نظام بوتفليقة، على رأسهم رجل الأعمال المثير للجدل علي حداد المقرب من عائلة بوتفليقة وأكثر من 11 شخصية "رفيعة" أخرى في عهد النظام البائد.
- أحكام نهائية بحبس أبرز رموز نظام بوتفليقة
- ولاية بوتفليقة الخامسة تجر ثالث رئيس وزراء جزائري إلى القضاء
وكشفت هيئة دفاع المتهمين عن أن أسباب تأجيل المحاكمة التي كانت ستجرى عن بعد بسبب الإجراءات الاحترازية في المحاكم الجزائرية خشية تفشي كورونا، وتتعلق بـ"عدم إكمال التحضيرات الخاصة بجلسات المحاكمة عن بعد، وعدم حضور كافة الشهود، وضم قضية فساد ثالثة تتعلق برجل الأعمال محي الدين طحكوت".
كما أضافت هيئة المحكمة قضية ثانية تتعلق بفضيحة تركيب السيارات المتورط فيها رجل الأعمال مراد عولمي المقرب من رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى عن مجمعه المعروف باسم "سوفاك" الممثل الحصري لعلامة "فولسفاغن".
ويتابع في القضيتين كل من رئيسا الوزراء الأسبقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزراء الصناعة والمناجم الأسبقين يوسف يوسفي ومحجوب بدة والهارب عبد السلام بوشوارب، ووزراء الأشغال العمومية الأسبقين الإخواني عمار غول وبوجمعة طلعي وعبد الغني زعلان وعبد القادر قاضي، بالإضافة إلى محافظي سابقين أبرزهم والي العاصمة الأسبق عبد القادر زوخ.
ولم تتوقف التحقيقات القضائية والأمنية بالجزائر في قضية مصانع تركيب السيارات الأجنبية المتابع فيها أكثر من 30 شخصية من عهد بوتفليقة، والتي كلفت الاقتصاد الجزائري خسائر قدرها القضاء بنحو "12.668 مليار دولار أمريكي".
ومن أكثر المتهمين بإنشاء ما يعرف بـ"فضيحة مصانع نفخ العجلات" رجلا الأعمال محي الدين طحكوت ومراد عولمي، فيما صدرت أحكام بالسجن 15 سنة ضد رئيسا الوزراء الأسبقين أويحيى وسلال، وأحكام تتراوح بين 12 سنة 3 سنوات على متهمين آخرين.
تهم فساد ثقيلة
ووفق عريضة الاتهام، فقد وجه القضاء الجزائري عدة تهم ثقيلة لرجل الأعمال علي حداد تتعلق أساساً بحصوله على امتيازات غير قانونية في الجمارك والموانئ، واستفادته من 275 صفقة عمومية بطرق ملتوية و452 قرضاً بنكياً من مختلف بنوك البلاد، واستيلائه أيضا على أسهم مصنع الإسمنت بمحافظة غليزان (غرب).
ويتوقع حقوقيون أن تكشف أطوار المحاكمة المقبلة عن "مفاجآت" أخرى تخص قضايا الفساد التي تفجرت في عهد بوتفليقة، خاصة بعد التسريبات التي كشفت عنها وسائل إعلام جزائرية عن نتائج التحقيقات الأمنية في قضيتي "تزفيت الطرقات ومصانع التركيب السيارات".
وأوردت المصادر الإعلامية أن رجل الأعمال مراد عولمي عمل على تهريب "1 مليار و500 ألف يورو" إلى بنوك في فرنسا وألمانيا في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى امتلاكه "30 مؤسسة وهمية مختصة في العقار"، مقابل تسهيلات من رئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى ووزيرا الصناعة والمناجم الأسبقين يوسف يوسفي وعبد السلام بوشوارب.
ويتابع المتهمون بعدة تهم، بينها "منح امتيازات غير مبررة للغير، وسوء استغلال الوظيفة، وتبديد أموال عمومية، وتعارض المصالح".
"رجل الزفت"
أما القضية التي أثارت أيضا الكثير من الجدل بالجزائر في السنوات الأخيرة، فتتعلق برجل الأعمال علي حداد الذي يوصف بـ"رجل الزفت" و"رجل الأعمال الأخطبوط" في عهد بوتفليقة، والذي تحول في ظرف نحو 5 سنوات من أكبر أثرياء الجزائر بعد تأسيسه ما يعرف إعلامياً بـ"إمبراطورية الزفت".
وسبق للقضاء الجزائري أن دان علي حداد بـ4 سنوات سجناً نافذاً في قضية التمويل الخفي لحملة ولاية بوتفليقة الانتخابية، بعد أن وضع في السجن شهر مارس/أذار 2019.
وفي قضية "تزفيت الطرقات"، يتابع علي حداد بتهم كثيرة، من أبرزها "الحصول على صفقات عمومية ومشاريع كبيرة لإنجاز الطريق السيار شرق – غرب"، وهي القضية المتهم فيها أيضا وزير الأشغال العمومية الأسبق الإخواني عمار غول.
"رجل الزفت" كما يسميه غالبية الجزائريون بالنظر إلى احتكار شركاته مشاريع إنجاز الطرقات الكبرى في عهد بوتفليقة، غالبيتها أنجزت بـ"الغش" وفق التحقيقات وتسببت في التزايد الرهيب لحوادث المرور في الجزائر.
"قصة إمبراطورية الزفت" بدأت في 2013، عقب استحواذ رجل الأعمال علي حداد على صفقة إنجاز الطريق السيار الذي يربط شرق الجزائر بغربها بطول 1720 كيلومتراً بالشراكة مع شركتا "كوجال" اليابانية و"سيتيك" الصينية.
ووفق ما كشفت عنه تقارير أمنية وإعلامية، فإن نفوذ علي حداد لم يكن مرتبطاً فقط بعلاقته القوية بالسعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري السابق، بل بشبكة علاقاته القوية بما كان يعرف بـ"ضباط فرنسا" في الجيش الجزائري (ضباط جزائريون عملوا في الجيش الفرنسي)، على رأسهم الرجل القوي السابق في جهاز المخابرات "الجنرال تواتي"
وبفضل تلك الصلات القوية، تمكن علي حداد من الحصول على مشاريع كبيرة في مجالات الإعلام والرياضة والأشغال العمومية والري وصناعة السدود، حتى إنه كان "يعين ويقيل عددا من الوزراء" باعتراف نافذين في عهد بوتفليقة.
وبعد أن نجح في تكوين ثروة هائلة تفوق 10 مليارات دولار غالبيتها من مشاريع تزفيت الطرقات والري، تمكن "رجل الأعمال المدلل" من رئاسة "منتدى رجال الأعمال الجزائريين" الذي يضم أكثر من 400 رجل أعمال وهو أكبر تكتل لهم في الجزائر.
طموح "حداد" سرعان ما توسع بعد زيادة حجم ثروته، حيث بات "من الشخصيات التي تسير فوق القانون وغير القابلة للمحاسبة" وفق تعبير خبراء سياسيين واقتصاديين، وأصبح يتحدث باسم الجزائر في لقاءات "دبلوماسية" في عدد من العواصم العالمية بينها واشنطن.
وفي 2015، كشفت تسريبات وثائق بنما، عن حجم الفساد المتورط فيه رجل الأعمال علي حداد، حيث يملك حساباً بنكياً في بنك بلندن يحتوي على 2.43 مليون جنيه إسترليني تمكن من تجميعها في ظرف عامين فقط.
بالإضافة إلى تورطه في فضيحة تضخيم فواتير استيراد الحديد من شركة تركية "بالتواطؤ مع الأخيرة" كانت موجهة لإكمال مشاريع فاز بها لتشييد الطرقات بالجزائر، وهي الفواتير التي بلغت فيمتها نحو 10 مليارات دولار.