10 أسباب حركت الجزائر في مالي.. المأساة الليبية أولها
وزير الخارجية الجزائري يصف زيارته إلى مالي بـ"العادية" ويكشف عن سعي بلاده 'لإيجاد حل سلمي لأزمتها الحالية"
كشف خبيران جزائريان لـ"العين الإخبارية" عن الدوافع الحقيقية وراء الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الجمعة، إلى مالي عقب الانقلاب العسكري على إبراهيم أبو بكر كيتا.
وأشار الخبيران إلى المحددات السياسية والأمنية الـ10 التي دفعت بالجزائر إلى تحريك دبلوماسيتها لاستقصاء الوضع بمالي "ما بعد الانقلاب العسكري".
وأبرز تلك المحددات "احتواء أي ارتدادات أمنية للانقلاب العسكري على أمنها وأمن المنطقة، والسعي لإنقاذ الدولة المالية من الانهيار وتفادي تكرار تجربة ليبية جديدة على حدودها الجنوبية".
- وزير خارجية الجزائر بمالي.. "استقصاء" ما بعد الانقلاب العسكري
- الجزائر عن انقلاب مالي: رفضٌ قاطع لأي تغيير غير دستوري للحكم
وكذا التحرك لتطبيق اتفاق الجزائر الموقع عام 2015 بين الحكومة المركزية ومتمردي الشمال، "وسد فراغ أي اختراق من قوى معادية للجزائر تحاول استثمار الوضع الجديد في مالي لضرب استقرارها" وفق تعبيرهما.
وتعد زيارة بوقادوم، التي دامت يوماً واحداً، مبعوثاً للرئيس عبد المجيد تبون هي الأولى لمسؤول أجنبي رفيع عقب الانقلاب العسكري، والتي وصفها بـ"الزيارة العادية".
والتقى بوقادوم مع أعضاء المجلس العسكري الحاكم الممثل في "اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب"، وكذا الرئيس المالي المخلوع إبراهيم أبو بكر كيتا في منزله بباماكو، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية المتكاملة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) صالح النظيف.
كما تباحث وزير الخارجية الجزائري خلال زيارته القصيرة إلى مالي، مع رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي لمنطقة الساحل بيير بويويا.
وكانت الجزائر من أوائل الدول التي سارعت بإدانة الانقلاب العسكري في مالي، في 18 أغسطس/آب الحالي، وأبدت "رفضاً تاماً لأي تغييرات غير دستورية بالحكم".
وتعتبر الجزائر الدول المجاورة لها "عمقاً استراتيجياً"، وهي المناطق التي تشهد غالبيتها توترات أمنية جعلت حدود البلاد "الأكثر التهاباً" بين دول المنطقة، لاسيما الأوضاع الأمنية في مالي وليبيا وحتى النيجر، وتعدها "تهديداً مباشراً لأمنها القومي".
قلق من عدم الاستقرار
ولم يخف وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم أهداف زيارته إلى باماكو، وكشف في تصريح صحفي بأنها "تندرج في إطار البحث عن مخرج سلمي للوضع الحالي".
واعتبر بوقادوم أن زيارته "عادية وبتعليمات من الرئيس تبون"، ونوه بأن الجزائر ومالي "جيران تربطهما علاقات تاريخية، وتجمعنا صداقة مهمة ومتينة".
وشدد على أن "ما يشغل مالي يشغل الجزائر"، مضيفاً أن زيارته جاءت "للاستماع وتبادل وجهات النظر وبحث سبل العمل سوياً من أجل أمن واستقرار الشعب المالي الشقيق وذلك في إطار احترام المبادئ والقيم التي تحكم بلدينا".
ويرتبط البلدان بأكبر شريط حدودي لهما بين جميع جيرانهما بنحو 1376 كيلومترا في الصحراء الكبرى.
وهي الحدود الشاسعة التي فرضت على الجزائر تحديات أمنية كبيرة مع الانفلات الأمني الذي تعيشه مالي منذ عقود خصوصاً منذ 2012 عقب سيطرة الجماعات الإرهابية على الشمال المالي، وسط رفع لحالة التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى من الجانب الجزائري.
ارتباط جغرافي وأمني
وأثارت الزيارة المفاجئة لبوقادوم اهتمام المراقبين، بين من اعتبرها مؤشراً على "تغير في طريقة تعامل الدبلوماسية الجزائرية مع الانقلابات العسكرية خصوصاً في جارتها مالي".
بينما اعتبرها آخرون سعياً منها لتدارك "انعكاسات غيابها" عن القضايا الإقليمية التي باتت تهدد أمنها القومي بعد سنوات من الانكماش نتيجة الوضع الصحي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خصوصاً بعد تزايد النشاط الإرهابي في شمالي مالي وسيطرته على قرابة نصف مساحتها الجغرافية.
ويرى مراقبون أن الجزائر باتت مطالبة مع التحديات الأمنية الإقليمية بـ"إنعاش دبلوماسيتها بشكل يستجيب لمكانتها في عمقها الأفريقي والمغاربي والعربي ومع التحديات الكثيرة والمعقدة المحيطة بها".
وقدم المحلل السياسي الدكتور عبد الرزاق صاغور 3 أسباب لزيارة وزير الخارجية الجزائري إلى مالي لخصها في "الامتداد الطبيعي لسياسة الجزائر الخارجية"، مشيراً إلى أن الشمال المالي مرتبط تماماً بالجزائر عن طريق الطوارق والأزواد.
وأشار، في حديث مع "العين الإخبارية"، أن "جميع دول جنوب الصحراء بما فيها النيجر وموريتانيا تعتبر امتداداً قومياً للسياسة الخارجية الجزائرية، ورغم وجود القوات الفرنسية وأفريكوم والكثير من القوى الدولية لكن تبقى الجزائر قوة إقليمية معنية بما يحدث داخل مالي".
وأوضح أن الأهداف الثلاثة لزيارة بوقادوم تتلخص في "الإبقاء على موقف الجزائر بأنها معنية مباشرة بما يجري في مالي، وطمأنة الشعب المالي ومؤسساته بأنها ستكون معهم".
أما الهدف الثالث – وفق المحلل السياسي – فيتعلق "بتوجيه رسالة بأن الجزائر سيكون لها دور ضمن القوى العظمى التي تنشط في مالي".
هواجس أمنية
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور لزهر ماروك في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تحرك الدبلوماسية الجزائرية في مالي يحمل دلالات عميقة.
وهي الدلالات التي ربطها بقرار تبون منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد بـ"إعادة تفعيل دورها الدبلوماسي في الأزمتين المالية والليبية".
وأشار إلى "المحدد الجيوسياسي للجزائر وما له من تأثير متبادل على أمنهما القومي، وكذا القبائل المشتركة المنشرة على حدود البلدين وهذا ما يعطي بعداً قبلياً للإطار البشري المشترك بينها".
وأضاف أن "التحرك الجزائري يأتي أيضا خوفاً من انهيار السلطة المركزية بمالي وتصبح دولة فوضى أمنية ومستنقعا وهو ما يعني زيادة تكلفة حماية الحدود وفق تداعيات خطيرة عليها".
الدافعان الخامس والسادس اللذين قدمهما الأكاديمي اختصرهما في "رؤية جزائرية برفض الانقلابات العسكرية والالتزام بمبادئ الاتحاد الأفريقي التي تنص على تجريم الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح"، وكذا "تعكس الزيارة البعد التاريخي بين البلدين، ولا ننسى أن مالي كانت من بين الدول التي قدمت الكثير من الدعم للثورة التحريرية الجزائرية".
كما أشار الدكتور ماروك "إلى رغبة الجزائر في الحفاظ على دورها المؤثر في مالي وكانت السباقة في الكثير من جهود الوساطة بين مختلف فرقاء أزمتها، والسعي لتفعيل اتفاق المصالحة الموقع في 2015".
قطع الطريق أمام أجندات معادية
وأوضح أن كل تلك المحددات الأمنية والسياسية "تلعب دوراً كبيراً في تحديد ضرورة أن تلعب الجزائر دوراً ولا يحدث الفراغ الذي قد تستغله قوى أخرى معادية لها وتستخدم هذه الأزمة لتمرير أجندات من شأنها زعزعة استقرار الجزائر".
وختم بالإشارة إلى أن تحرك الدبلوماسية الجزائرية في مالي "تحكمه الكثير من الدلالات والاعتبارات لاسيما الأمنية والسياسية وهي حريصة على ضرورة حل هذه الأزمة بالطرق السياسية والدبلوماسية حتى لا تتكرر التجربة الليبية وتصبح الجزائر بين كفي كماشة على حدودها الشرقية والجنوبية".