محللون جزائريون: مخرجات اجتماع المعارضة غير دستورية
خبراء قانونيون ومحللون سياسيون جزائريون يؤكدون "عدم دستورية" مقترحات المعارضة الأخيرة ويحذرون من "أزمة أكبر إذا اعتُمدت خارطة طريقها".
تتواصل في الجزائر محاولات الخروج من الأزمة السياسية عبر مبادرات من قوى المعارضة، كان آخرها ما قدمته السبت بعض الأحزاب والشخصيات المعارضة من "خارطة طريق" جديدة كما أسمتها، في اجتماعها السادس منذ بدء الحراك الشعبي.
- إخوان الجزائر.. محاولات لاختطاف الحراك الشعبي السلمي
- المعارضة الجزائرية تدعو بوتفليقة للتنحي والجيش لإدارة المرحلة الانتقالية
الاجتماع، الذي قرر تغيير تسميته من "اللقاء التشاوري للمعارضة" إلى "فعاليات قوى التغيير من أجل نصرة خيار الشعب"، خرج بـ "خارطة طريق استنادا إلى المادة 7 من الدستور الجزائري" يبدأ تنفيذها بعد انتهاء عهدة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 27 أبريل/نيسان المقبل لفترة زمنية "لا تتجاوز ستة أشهر"، تتضمن رؤية للخروج من المأزق السياسي الذي تمر به الجزائر، "مع فتح المجال لمناقشتها مع بقية أقطاب المعارضة".
وتنص المادة السابعة من الدستور الجزائري على أن "الشعب مصدر كل سلطة، والسيادة الوطنية ملك للشعب وحده".
ومن خلال بيان بعض المعارضة الجزائرية الذي حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، والذي "حذر الجزائريين من اختراق أو إضعاف مطالبه"، فقد اقترح "الاقرار بمرحلة انتقالية قصيرة، يتم فيها نقل صلاحيات الرئيس المنتهية عهدته لهيئة رئاسية" على أن يتم تشكيلها من "شخصيات وطنية مشهود لها بالمصداقية والنزاهة والكفاءة تتبنى مطالب الشعب، ويلتزم أعضاؤها بالامتناع عن الترشح أو الترشيح في الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة" على حد تعبير البيان.
كما حدد المجتمعون صيغة لمهام الهيئة الرئاسية المقترحة، والمتمثلة في "تعيين حكومة كفاءات وطنية لتصريف الأعمال، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، وتعديل قانون الانتخابات بما يضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة" كما جاء في البيان.
وفي الوقت الذي انتقدت فيه الأحزاب والشخصيات المعارضة جولة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى بعض الدول، دعوا "الجيش الجزائري للاستجابة لمطالب الشعب والمساعدة على تحقيقها في إطار احترام الشرعية الشعبية"، دون توضيح لآليات تدخل الجيش.
وأظهرت نتائج الاجتماع الأخير، تبايناً بين الجزائريين حول مخرجاته وأهدافه، بين من رحب "بلعب المعارضة دورها الحقيقي وانخراطها في محاولة البحث عن حل للأزمة السياسية"، وبين من اعتبر نتائج اجتماعها "ناقصة للضمانات ومحاولة لسرقة الحراك الشعبي والاستفادة منه"، إضافة إلى تأكيد قانونيين على أن المعارضة "وقعت في فخ عدم الدستورية أيضا من خلال جملة المقترحات التي لا تختلف في عدم دستوريتها عن رسالة بوتفليقة الأخيرة" والتي أجمعت المعارضة ذاتها على أنها "خرق للدستور".
كما انتقد متابعون طرح المعارضة الجزائرية لفكرة "هيئة رئاسية" مشابهة للمجلس الأعلى للدولة الذي شُكل عقب استقالة الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد في يناير/كانون الثاني 1992، "وبقيادة جماعية في ظروف استثنائية وفي دولة مثل الجزائر"، معتبرين أنه "حل خطر ويعيد البلاد إلى نقطة الصفر".
فيما بررت شخصيات معارضة شاركت في الاجتماع لـ"العين الإخبارية" أن "الوضع الحالي سببه الخروج عن الدستور وهو ما يتطلب حلولاً شبه دستورية أو غير دستورية للخروج بأقل الخسائر".
وبين كل ذلك، استغرب مراقبون "قبول الإخواني جاب الله ومساهمته في تقديم حلول غير دستورية"، خاصة وأنه كان من أكثر "الطاعنين في شرعية السلطة برمتها منذ 1999 رغم أنه شارك في انتخاباتها"، إضافة إلى "دعوته الجيش التدخل في الشأن السياسي"، في وقت كان الإخواني جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية الإخواني أيضا "من الرافضين لتدخل الجيش"، واصفين "إصراره" على تدخل الجيش بـ "الخطوة الخطرة والمشبوهة ومحاولة لتوريط الجيش في أجندة خفية".
رغم تأكيدات قيادة الجيش الجزائري العام الماضي "رفضها لإقحامها في أي لعبة سياسية"، وإن اعتمدت المعارضة الجزائرية على "دعم قائد أركان الجيش الجزائري لولاية بوتفليقة الخامسة".
خارطة غير دستورية
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" أكد الدكتور عامر رخيلة الخبير القانوني والعضو السابق في المجلس الدستوري الجزائري أن مخرجات اجتماع الجزائرية "غير دستورية" وبأن "المعارضة عوض أن تقدم حلولاً للأزمة الحالية خرجت بمشكل آخر".
- "يرحلون جميعا".. شعار جديد بمظاهرات الجزائر للمطالبة برحيل النظام
- بالصور.. الإخوان في قائمة "المطَالبين بالرحيل" بمظاهرات الجزائر
وقال "المعارضة كما نقول – جاء يكلحها عماها -، كان المطلوب من الإخوة في المعارضة ومختلف القوى السياسية تقديم تصورات، لكن يبدو أن تصوراتهم الأخيرة تأخذ مسارين، إما تأييد خارطة الطريق التي اقترحها الرئيس بوتفليقة وفي إطارها يقدمون اقتراحات أو اختيار المسار السلس الذي يقره الدستور استناداً إلى المادة 102 التي تتكلم عن حالة الشغور، وليس المقصود بالشغور حالة الاستقالة أو المرض أو الوفاة فقط، بل تتكلم أيضا عن حالة عدم وجود رئيس للجمهورية، وهي آلية تولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة وفي ظرف 90 يوماً تجرى انتخابات رئاسية".
ويرى الدكتور رخيلة أن ما قدمته المعارضة "خارج الدستور، واستنسخت التجربة اليوغوسلافية، لسنا دولة اتحادية، الجزائر دولة واحدة وموحدة، ولذلك نحتاج لرئيس جمهورية وليس لمجلس".
وفيما يتعلق باستناد المعارضة الجزائرية على المادة السابعة من الدستور، قال الخبير القانوني "إنها تنص على أن الشعب هو مصدر السلطة، ولم تنص على أن المعارضة هي مصدر السلطة، والمقصود بأن الشعب مصدر السلطة أن يتم ذلك عن طريق انتخابات وآليات، والتعبير عن الإرادة الشعبية لا بد من اللجوء إلى الانتخابات وليس تعيين هيئات، والمعارضة أمس حاولت تغيير المسار الانتخابي".
وتابع قائلاً "لا يمكن الاعتماد على المادة السابعة لأن ذلك يعني مصادرة للإرادة الشعبية، وبأي حق يتم تعيين هيئة لا ينص عليها الدستور ولا استفتاء شعبي عليها، وهنا نتساءل: هل هم يتبنون رسالة رئيس الجمهورية التي حدد فيها مرحلة انتقالية تحت رعايته بمعنى تمديد عهدته؟، أو أن يختارون المسار الدستوري؟ واقتراحهم غير مؤسس، ونقل السلطات واضحة دستورياً إلى يد رئيس مجلس الأمة الذي يصبح رئيساً للدولة".
وختم الدكتور رخيلة بالقول "أتعجب من مخرجات اجتماع المعارضة خاصة وأنه كان من بينهم قانونيون، وإن كنت أبارك لقاء المعارضة ومحاولة البحث عن حل للأزمة، لكن في مقابل ذلك على المعارضة أن تحدد موقفها، هل هي مع رسالة الرئيس التي تكلمت عن مرحلة انتقالية؟ أو أنها تريد تقييد الدستور، واقتراحاتها لا تصب في الدستور".
محاولة استيلاء على الحراك الشعبي وأزمة في حد ذاتها
من جانب آخر، انتقد الدكتور محمد لعقاب المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر ما تضمنه بيان المعارضة الجزائرية.
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" "بالنسبة لي المعارضة المرفوضة من قبل الشعب غيّرت تسميتها إلى (فعاليات قوى التغيير من أجل نصرة خيار الشعب) وهذا يعني مخرجاً ذكياً حتى يكون طرحها مقبولاً لأن الحراك الشعبي رافض للأحزاب، ومن هذا المنطلق فإن هذه الأحزاب والمجتمعون أمس حاولوا الاستيلاء على الحراك لوحدهم، في ظل وجود الكثير من الاتجاهات الأيديولوجية والأحزاب تحاول استثمار الحراك لصالح تحقيق أهداف استراتيجية وتكتيكية".
وأكد المحلل السياسي على وجود "ثغرات كبيرة" في بيان المعارضة من بينها "أن اقتراحاتهم ترغب العمل خارج الدستور، وهو عبارة عن سعي لإيجاد حل سياسي، ولكن بوجود دستور لماذا لا نبحث عن حلول في إطار الدستور؟، إضافة إلى حديثهم عن إنشاء هيئة قيادية، وهنا نتساءل: من يُعينها؟ ومِن مَن تتكون؟ وهل يرضى بها جميع الجزائريون؟ وعلى هذا الأساس فإن هذا المقترح في حد ذاته هو أزمة في حد ذاتها".
ويضيف المحلل السياسي "هناك ثغرة أخرى وهي محاولة إقحام الجيش في اللعبة السياسية، وهناك محاولة للعودة بالجزائر إلى أحداث 1992 عندما تدخل الجيش وعيّن المجلس الأعلى للدولة، وأرى أن الجيش خارج اللعبة السياسية ومن الأفضل أن يمارس الجيش مهامه الدستورية خارجها ولا يتدخل فيما فشل فيه السياسيون".
أزمة شرعية
غير أن بعض الشخصيات المعارضة في الجزائر، ترى أن "الجزائر تعيش أزمة شرعية نتيجة خروج عن الدستور منذ عدة سنوات"، ومنه "بررت بيان المعارضة الأخير".
وفي هذا الشأن، قال الدكتور إسماعيل معراف أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر وأحد المشاركين في اجتماع المعارضة الأخير إن "لا يمكن أن نقول إن مخرجات اجتماع المعارضة غير دستورية، بل البلد كله خارج إطار الدستور، ورئيس الجمهورية نفسه خرق الدستور من خلال تعيين نائب أول للوزير الأول (رئيس الوزراء)، إضافة إلى عدم تطبيق المادة 102 لمدة خمس سنوات كاملة والتي تنص على إقرار حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب المرض، والمادة السابعة تنص على أن الشعب هو مصدر الشرعية، وبذلك فإن الشعب غيّر مصدر سياسة الدولة إلى الشرعية الشعبية".
ويرى معراف "بعدم وجود مخارج دستورية بعد انتهاء ولاية بوتفليقة، كما لا توجد انتخابات، وبالتالي فإن الحل اللجوء إلى المجلس الأعلى للأمن، والمعارضة المجتمعة السبت وجدت نفسها أمام إشكال، وهو يمكن لها الوقوف مع الشرعية الدستورية أو مع الشرعية الشعبية، والشعب يطالب برحيل الجميع وبتغيير جذري".
وعن الهيئة الرئاسية المقترحة، ذكر المحلل السياسي أن "تعيينها يتم بإشراك شخصيات تملك قبول عند الجزائريين ويتم اقتراحها لمؤسسة الرئاسة أو المؤسسة العسكرية وهي شبيهة بلجنة عقلاء وهي نفسها التي تعين حكومة كفاءات وطنية تشرف على انتخابات رئاسية".
حلول دستورية
في مقابل ذلك، يرى الدكتور محمد لعقاب المحلل السياسي أن حل الأزمة السياسية بالجزائر موجود ضمن مواد دستور البلاد، وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية" "إن هناك حلولاً دستورية تُرضي الشعب الجزائري، من بينها أنه يتعين على الرئيس بوتفليقة أن يقدم استقالته قبل انتهاء عهدته الرئاسية ولو بيوم واحد، وبعد ذلك فإن الدستور الجزائري لا يعترف بوجود رئيس للجمهورية، وقبل ذلك لا ينبغي أن يترك الجزائر في أزمة مثلما وجدها سنة 1999 في أزمة، عليه أن يتخذ ثلاثة قرارات".
- دعم أحزاب الموالاة لمظاهرات الجزائر.. رضوخ أم مناورة سياسية؟
- أسبوع الجزائر.. استمرار رفض التمديد لبوتفليقة وضربات شعبية موجعة للإخوان
وذكر الدكتور لعقاب أن "القرار الأول وفقاً للدستور هو تعيين حكومة تصريف أعمال بالتشاور مع الأحزاب وبإشراك الحراك الشعبي، وهذه الحكومة ستواجهها تحديات وحتى صعوبات من بينها أن الحراك الشعبي ليس لديه ممثلون، وإذا أراد الحراك أن يجد مخرجاً عليه أن يُعين ممثلين فوراً للتحاور باسمه، أما القرار الثاني فهو إعادة تشكيل اللجنة العليا مستقلة لمراقبة الانتخابات التي حلّها الرئيس في رسالة 11 مارس نظرا لحدوث متغيرات جديدة، والشعب رفض مقترحه وبالتالي عليه إعادة اللجنة بالتشاور مع الأحزاب والحراك".
وختم المحلل السياسي بالقرار الثالث الذي حدده "في تعديل المادة 194 من الدستور الخاصة بلجنة مراقبة الانتخابات، خاصة مع وجود البرلمان ومجلس الأمة، وذلك بإعطاء صلاحيات واسعة لها بشكل يجعلها تُشرف على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها بشكل يضمن نزاهة الانتخابات ويمنع تدخل الوزير أو الإدارة أو الوُلاة (رؤساء المحافظات)، ثم يقدم رئيس الجمهورية استقالته ويتولى رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 90 يوماً تُجرى خلالها انتخابات رئاسية، وبذلك نضمن أن يكون الرئيس الجديد قوياً وشرعياً، وبإمكانه أن يبادر ببناء جزائر جديدة أو جمهورية جديدة".
يذكر أن اجتماع المعارضة الأخير عُقد بمقر حزب جبهة العدالة والتنمية الإخواني، وعرف غياب كثير من أحزاب المعارضة وشخصيات أخرى، فيما سجل حضور "قياديين سابقين في الجبهة الاسلامية للإنقاذ المنحلة ذات التوجه الإخواني" وهو ما أثار استغراب وحتى غضب كثير من الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وشككوا في "أهداف إشراكهم وإقحامهم في الاجتماع من قبل الإخواني عبد الله جاب الله".
فيما اعتبر مراقبون أن مخرجات اجتماع بعض المعارضة الجزائرية بمشاركة الإخوان "كان محاولة لاستباق انسحاب بوتفليقة من الحكم من خلال محاولة خلط الأوراق لاعتلاء المشهد من على ظهر الحراك الشعبي"، في وقت يقول المتابعون "إن انسحاب بوتفليقة مع انتهاء ولايته الرئاسية وتسليمه السلطة لرئيس مجلس الأمة وما يترتب عنه من إجراءات قد يسهم في تهدئة الشارع، وهو ما يعني خروج المعارضة بخفي حنين، خاصة وأن المتظاهرين طالبوا باستقالة بوتفليقة وتغيير النظام وابتعاد الأحزاب السياسية بمولاتها ومعارضتها عن المتاجرة بمطالبهم".