انفلات السلاح هو جزء من الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية. وبدل أن تساهم الأموال في بناء الاقتصاد الوطني المتهاوي.
العراق يتحول إلى مستودع كبير للسلاح المنفلت. منذ عام 2003 تسعى الحكومات المتعاقبة أن تحصر هذا السلاح المنفلت بيد الدولة من دون جدوى أو لأنها لا تملك قرارًا حازمًا بذلك إلى أن جاء مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء، الذي يعمل على مايبدو بجدية لتحقيق ذلك.
خطوتان يسعى لتحقيقهما الكاظمي هما حصر السلاح المنفلت بيد الدولة والسعي لإيجاد حلول للمشكلات العالقة مع إقليم كردستان العراق.
ما يخص السلاح المنفلت، قام الكاظمي بوضع مايشبه مساحيق تجميل خفيفة على وجه بشع وقبيح للغاية إذ لا يوجد السلاح المنفلت بيد العصابات والمافيات والعشائر فقط، بل بيد المليشيات التي تغولت إلى درجة صارت أقوى من الجيش الرسمي الذي يعاني هو الآخر من ضعف التأسيس الاحترافي، وغالبية أفراده من قوات الدمج.
أصبح السلاح في العراق تجارة رابحة لا يوجد أي قانون ينظمها بل تتحكم فيه العصابات والمافيات. ولا يزال السلاح بيد مجموعات خارجة على القانون، لكنها متواجدة على شكل ميليشيات تعتبر نفسها سياسية في عملية خداع واضحة، متوارية وغالبًا وراء رموز مذهبية ودينية تتستر بها.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: إن مؤسسات الجيش والقوات الأمنية وغيرها بلغت نحو مليون فرد، فلماذا يحتاج النظام إلى مليشيات مسلحة؟
يبدو أن سيطرة المليشيات على المنافذ الحدودية ليس الهدف منها جني الأموال فقط بل تسهيل عمليات إدخال السلاح المنفلت إلى العراق. وتفشي السلاح يدل على ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية، وسيطرة المليشيات على عمليات تهريب الأموال مثل بيع النفط وتهريبه الذي يدر مئات الملايين من الدولارات عليها هذه ويغذيها.
العملية التي قام بها الكاظمي لم تعالج سلاح هذه المليشيات بل عالجت سلاح العصابات والمافيات الصغيرة وبعض العشائر، من دون أن يذهب إلى المهمة الأساسية وهي سلاح المليشيات التي بلغ عددها نحو أكثر من خمسين تنظيمًا مسلحًا بأسلحة خفيفية ومتوسطة. وهذه المليشيات تهدد الدولة في أكبر تغوّل لها، حتى أصبحت أكبر من حجم الدولة بذريعة العمل السياسي.
إن انفلات السلاح هو جزء من الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية. وبدل أن تساهم الأموال في بناء الاقتصاد الوطني المتهاوي، تذهب إلى جيوب المليشيات المدعومة من إيران. لذلك تحرص هذه المليشيات على الحفاظ على سيطرتها على المنافذ الحدودية، ولا تتخلى عنها، حيث يمتلك العراق نحو 22 منفذًا حدوديًا بريًا مع إيران وتركيا والأردن وسورية والكويت، تتغذى عليها المليشيات وتمدها بالسلاح. بلغت العائدات من رسوم الجمارك حوالي 6 مليار دولار ولا يحصل العراق الرسمي سوى على 600 مليون دولار! فأين تذهب هذه الأموال؟ .
أما الخطوة الثانية فهي مرتبطة بالخطوة الأولى وخاصة بما يخص المشاكل القائمة مع الأكراد في شمال العراق، وموارد المنافذ الحدودية وتهريب النفط غير الشرعي الخارج عن إدارة الدولة المركزية والموازنة والمناطق المتنازع عليها والبيشمركة وملفات أخرى. ويعتبر معبر إبراهيم الخليل الحدودي، ومنافذ أخرى من القضايا العالقة بين الأكراد والحكومة المركزية حيث يصر الأكراد على إدارته والحصول على موارده. ولا تزال مشكلة المناطق المتنازع عليها تتصدر الخلافات وكأنها خلافات بين دولتين، وليس دولة واحدة. ولا يمكن أن تُحل جميع هذه الملفات المعقدة والمتشابكة في زيارة قصيرة لمصطفى الكاظمي لأن الأزمة المالية تضرب بأطنابها في العراق، ومن شأنها أن تعمّق الخلافات بين الطرفين.
هل يتنازل الأكراد عن موارد الـ 250 ألف برميل التي يستأثرون تصديرها؟
من المعلوم، أن المنافذ الحدودية تدار بشكل مشترك بين الحكومتين الاتحادية وحكومة الإقليم. لكن الأزمة المالية الحادة تنخر في جسد الحكومتين الإقليمية والاتحادية معًا.
هذه المشاكل بحاجة إلى حلول جذرية أساسها مصلحة المواطن العراقي الذي لا يزال يعاني من الفقر وانعدام الخدمات والأمن، إذ لا يزال الطرفان يتمسكان بمصالحهما. والهدف الجوهري لهذه الزيارة يبقى هو الوضع الضعيف الذي يعاني منه الكاظمي مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة. يُضاف إليها انخفاض أسعار النفط العالمية وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العراقي.
على العموم، إن الكاظمي لا يعكس وجهة نظر الأحزاب والكتل السياسية المهيمنة على السلطة عمليًا، لذا نرى أن ائتلاف "النصر" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، يطالب الكاظمي بتنظيم العلاقة مع الأكراد وحسم ملفات النفط والمنافذ الحدودية والجمارك ودخول الرقابة المالية الاتحادية إلى الإقليم وفقا للدستور والقانون أسوة ببقية أنحاء العراق، إلا أن الدستور نفسه يتضمن مواد ملغومة وغير واضحة، وتمت كتابته على أسس المحاصصة الطائفية. وهناك كتل وأحزاب لم تعلن عن آرائها بعد في هاتين القضيتين.
ولا يزال الأكراد يتخوفون من الدولة المركزية، فهم لا ينسون ما قام به رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي باستعادة كركوك في 2017 على خلفية استفتاء انفصال كردستان عن العراق، وهي الخطوة الوطنية التي حفظت للعراق وحدته، وعدم تشظيه إلى دويلات متناثرة هنا وهناك.
خطوتان قام بهما الكاظمي في حصر السلاح بيد الدولة، وتسوية الخلافات مع الأكراد، ولكن ليس من السهل تحقيق هاتين المهمتين بالتصريحات والزيارات، فالمشاكل تعود إلى أكثر من نصف قرن مع الأكراد، وقضية السلاح تعود إلى بداية الاحتلال الأمريكي للعراق.
فهل ينجح الكاظمي في حل مشكلتي فوضى السلاح وملفات الأكراد في الوقت الذي فشل فيه الرؤساء الآخرون؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة