الشاعر الفرنسي ألفونس دي لامارتين.. رائد الرومانسية
لامارتين انخرط في الحياة السياسية وقد سحر زملاءه بخطاباته الشاعرية الفياضة المليئة بالعواطف النبيلة تجاه الشعب الفرنسي الفقير.
ولد رائد الرومانسية، ألفونس دي لامارتين، في 21 أكتوبر سنة 1790 بماكون إحدى حواضر مقاطعة اللوار بفرنسا، وكان لامارتين ينتمي إلى طبقة النبلاء الفرنسيين، وهي أعلى طبقة في ذلك الزمان، ولذلك نشأ وترعرع في قصر «ميلي» المنيف.
نشر أولى مجموعاته الشعرية عام 1820 تحت عنوان: «تأملات شعرية»، وكان عمره آنذاك 31 عاماً. وذلك بعد رحلة قام بها إلى إيطاليا، محج الفنانين وقلب الثّقافة النّابض في أوروبا آنذاك.
ولمع نجمه في عالم الأدب الفرنسي مع أول ديوان له "تأملات شعرية" والذي ضم 24 قصيدة كُتِبت بين عامي 1815 و1820، وهي أشبه ما تكون بمذكّراتٍ شخصية لما عايشه الشاعر من تجارب رومانسية خلال تلك الفترة. ولعلّ أعمق تلك التجارب تأثيراً ما حرَّكته في نفسية الشاعر سيدةٌ تُدعى جولي شارل، وهي المرأة التي نسج حولها قصيدة "البحيرة" الذائعة الصّيت. ويقال إن أمير الشعراء أحمد شوقي أول من ترجم هذه القصيدة للعربية.
حظيت قصائد هذا الديوان عند ظهورها برواجٍ باهرٍ، إلى درجة أن ملك فرنسا نفسه، و بعض حاشيته كالوزير «طاليران»، كانوا يرددون أبياتها عن ظهر قلب. أما من الناحية التاريخية، فتكتسي هذه المجموعة أهمية بالغة كذلك، اذ اعتبرها النقاد وجمهور القرّاء – إلى جانب إبداعات «شاتوبريان» ـ فاتحة عهدٍ جديدٍ في الشعر وأول مؤلَّفٍ رومانسي خالص في الأدب الفرنسي. وبعد ثلاث سنوات، التاريخ أصدر لامارتين مجموعة شعرية ثانية تحت عنوان: "تأملات شعرية جديدة". ثم نشر بعدئذ عدة كتب من بينها: موت سقراط، وآخر أنشودة جحيم للطفل هارولد.
وبعد أن سافر إلى الشرق وتعرف على القدس في فلسطين، حيث يوجد مهد المسيح ومقدسات المسيحية، عاد إلى أوروبا وأصبح موظفاً في السفارة الفرنسية بمدينة فلورنسا الإيطالية. ثم تزوج من فتاة إنجليزية بعد عدة قصص حب لم يكتب لها النجاح من بينها تلك القصة التي ألهمته قصيدة «البحيرةَ» الشهيرة.
وانخرط لامارتين في الحياة السياسية وأصبح نائباً في البرلمان. وقد سحر زملاءه بخطاباته الشاعرية الفياضة المليئة بالعواطف النبيلة تجاه الشعب الفقير. وكان لامارتين خطيباً في الدرجة الأولى.
نشر لامارتين بعد ذلك عدة كتب مهمة نذكر من بينها: رحلة إلى الشرق (1835)، جوسلين (1836)، سقوط ملاك (1838)، خشوع شعري (1839)، وأخرى. كما نشر كتاباً جميلاً عن تاريخ الثورة الفرنسية التي كانت ما تزال حديثة العهد. والغريب في الأمر أن لامارتين ذا الأصل النبيل والارستقراطي أصبح من كبار مؤيدي الثورة الفرنسية التي أطاحت بطبقة النبلاء الارستقراطيين وامتيازاتهم الضخمة، وقد عارض بشدة الحكم الرجعي للملك لويس فيليب وكان أحد قادة الثورة الشعبية الشهيرة عام 1848.
ليس هذا فحسب، بل تحفل سيرة الشاعر الفرنسي بالكثير من الإنجازات على كافة المستويات، حيث إنه أصبح عضواً في الحكومة المؤقتة لفرنسا ووزيراً لخارجيتها، ولكن لفترة قصيرة. وكان من أكبر الداعين إلى إلغاء قانون الرقّ أو العبودية.
لكن صعود نابليون الثالث إلى سدة الحكم عام 1852عن طريق انقلاب عسكري وضع حداً لحياته السياسية. فبعد أن أصبح اليمين الكاثوليكي في السلطة لم يعد له محل.
واعتزل لامارتين العمل السياسي، وكرس وقته للأدب والكتابة، واختار أن يقاوم بصمت وبشكل غير مباشر على عكس فيكتور هيجو. وعاش على الكفاف بسبب قلة موارده المالية.
وكتب في إحدى الرسائل إلى فيكتور هيجو بأنه يخشى أن يصادروا بيته ومكتبه والأثاث لأنه لا يستطيع أن يدفع الفواتير. اضطر تحت ضغط الحاجة الماسة إلى قبول هبة من الدولة عام 1867، وقد عاب عليه المثقفون «اليساريون» ذلك واتهموه بالتواطؤ مع الديكتاتور المستبد نابليون الثالث.
عاش سنوات حياته الأخيرة في فقر مدقع وحزن شديد وتوفي 28 في فبراير 1869 عن عمر ناهز 78 سنة، ورفضت عائلته تنظيم جنازة وطنية له خوفاً من أن تستغلها السلطة لمصلحتها.
أشهر أقواله:
الضمير وحده بدون الله، يُشبه محكمة بدون قاض
الشعراء والأبطال هما شخصيتان من نفس العِرق
هناك امرأة خلف كل البدايات العظيمة التي تحدث
الحياة شعلة إما أن نحترق بنارها أو نطفئها ونعيش في ظلام