جاء سقوط جماعة الإخوان بسبب المعارضة الدولية لهذا التنظيم والانشقاقات الأخيرة داخل صفوفه، ومن المتوقع أن تصل قريباً تغييرات في خطط الجماعة، في محاولة لضمان استمراريتها أو على الأقل تفادي انهيارها الكامل.
وقائع مثل رفض تركيا اتخاذ أراضيها كمقر لجهاز الدعاية التابع للإخوان، بل حتى طرد أو اعتقال بعض أعضاء التنظيم، أو موقف ليبيا ضد الجماعة أو عمليات التنظيف التي تمارسها تونس، قد تسببت في إضعاف التنظيم، ما سيجبره على اتخاذ قرارات مهمة إذا كان لا يريد أن يجد نفسه خارج الخيارات المستقبلية.
ليس سرا الآن أن جماعة الإخوان المسلمين كانت الذراع السياسية للقاعدة، وسيكون للتغييرات الأخيرة داخل الجماعة خاصة في تركيا ولندن، حيث تسود شكوك كثيرة حول مستقبلها، تأثير على الفرع الإرهابي للتنظيم، ومن الطبيعي أن تتخذ الذراع العسكرية إجراءات حتى لا يحدث السقوط الذي سيؤثر على جميع أتباع حسن البنا.
المنطقتان الأفريقيتان الأكثر تأثراً بهذه التغييرات هما الصومال، حيث تنشط حركة الشباب في مسرح عمليات القاعدة في شرق أفريقيا وفي غرب القارة السمراء، حيث تنشط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي.
لقد بدأت الجماعة بالفعل في إدخال بعض التغييرات في الاستراتيجية كتقرّب المنتمين للقاعدة من السكان المحليين، فهم ربما يفكرون في النهاية في حل سياسي للجماعة ومحاولة التعويض عن اختفاء الإخوان، على الرغم من أن هذا لن يحدث على المدى القصير.
قبل 10 سنوات فقط، طبّقت "القاعدة" العنف على السكان على غرار ما يمارسه "داعش" اليوم. ومؤخراً نلاحظ تراجع مستويات الترهيب تجاه السكان وحتى في دعايتها الإعلامية يتم تقديم التنظيم كحلّ لمشاكل المواطنين.
انتهى مشروع الإخوان في أفريقيا ونحن نشهد آخر مخاضه. بعض قادته لا يريدون أن ينتهي هذا التيار لأنه يمدهم بالقوة والمزايا الاقتصادية الكبيرة. إن قلة تواضع قادة جماعة الإخوان وتضخيم العوائد الاقتصادية أثّرا على أتباعها الذين يكتشفون أنهم خُدعوا، والأدلة كثيرة وواضحة.
في الحقيقة، أصبح الوضع صعباً للغاية بالنسبة للقاعدة في الصومال لأن رئيس هذا البلد لن يتنازل عن شبر واحد من أراضيه للإرهابيين. الخيار الوحيد الذي يمكنهم الاستفادة منه هو إمكانية الاستسلام، وهذا هو الخيار الذي يلجأ إليه الكثير من الإرهابيين، مدركين أن المخرج الآخر هو السجن أو الموت.
في منطقة غرب أفريقيا، في مالي وبوركينا فاسو والآن في شمال البلدان الساحلية، تتبع "القاعدة" أسلوب الخنق الاقتصادي والسيطرة على طرق الاتصال الرئيسية بهدف محاولة الولوج للحياة السياسية، وأن تكون جزءًا من الحكومات في غضون سنوات قليلة، إذا كانت البلدان تريد الوصول إلى السلام. في ذلك الوقت سيكون أحد الشروط هو إنهاء ضغوط الإرهابيين على الاقتصاد، الأمر الذي سيكون بمثابة انتصار كبير لكل من "القاعدة" والإخوان، حيث ستظهر فاعلية خطتهم المستقبلية.
يساعد ظهور "داعش" وأسلوب نشاطها في مسارح الحرب تنظيم "القاعدة" بشكل غير مباشر. تظهر "داعش" على أنها تسبب الفوضى ولا تتردد في القتل دون سبب، حين تقف "القاعدة" ضدها، حتى إن "القاعدة" تدّعي أنها تقوم بذلك لمصلحة السكان، مما يوحي بأن الحكومات غير قادرة على الدفاع عنهم.
يحدث كل ذلك في الأراضي الأفريقية، لكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تنظيم الإخوان يحافظ على وجوده في بعض بلدان أوروبا، مما يسمح له بتمويل الجماعة ومواصلة إرسال الأموال للقاعدة.
ما الذي يمكن توقعه من الذين لم يترددوا في قتل السكان لتحقيق أهدافهم قبل وصولهم إلى السلطة؟.. من الواضح أن هؤلاء الحكام الجدد لن يكونوا عنيفين كما هو الحال الآن، وعلى الرغم من أن تعاملهم في المستقبل سيكون أكثر لباقة، إلا أننا ندرك جيداً ما سيكون عليه الحال، إنهم مجرد قتلة يرتدون ملابس أنيقة، ويقبضون على السلطة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة