على وقع التطورات والمتغيرات المتعلقة بأزمة سوريا، طرحت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا في 18 من شهر أبريل/نيسان الجاري مبادرة للحل.
المبادرة تضمنت تسعة بنود، أبرزها الاعتراف بوحدة الأراضي السورية، واعتماد نموذج اللامركزية في الحكم، وتوزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية، والاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، كل ذلك من خلال حوار سوري- سوري بدعم عربي ودولي، يفضي إلى تحقيق الاستقرار في البلاد واستعادتها عافيتها.
في التوقيت ذاته حملت المبادرة دلالات مهمة، إذ إنها جاءت على وقع الانفتاح العربي على سوريا، والجهود الجارية لإعادتها إلى جامعة الدول العربية، وكذلك على وقع التقارب الجاري بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، وكذلك على وقع المناخات الإيجابية التي تركها الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية لاستعادة العلاقات بين البلدين، وعليه فإن توقيت المبادرة حمل رسائل عدة، لعل أهمها، أن الإدارة تريد حجز مقعد لها في قطار الحل السوري، وفي نفس الوقت إحساسها بأن المتغيرات الجارية قد تكون على حسابها وتطلعاتها، خاصة في ظل التفاهمات الروسية الإيرانية التركية التي تأخذ من المطالبة بخروج القوات الأمريكية من شرقي سوريا شعارا لها، في وقت تفتقر فيه الإدارة الأمريكية إلى استراتيجية واضحة إزاء أزمة سوريا، وهو ما يطرح سؤالا حول إذا ما كانت حصلت الإدارة الذاتية على ضوء أخضر أمريكي لطرح هذه المبادرة في هذا التوقيت.
في الواقع، تدرك الإدارة الذاتية عبر جناحيها العسكري (قسد) والسياسي (مسد) أهميتها للسياسة الأمريكية في سوريا، لذلك تعتقد أن الإدارة الأمريكية لن تتخلى عنها بسهولة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن هذه الإدارة لن تدافع عنها عسكريا إذا تعرضت لهجوم من هذا الطرف أو ذاك، كما حصل خلال الهجوم التركي عام 2019 على منطقة رأس العين- تل أبيض، إذ وقتها سارعت القوات الأمريكية إلى سحب قواتها من هذه المنطقة، وتركت قسد تواجه مصيرها.
وعليه يمكن القول إن طرح المبادرة في هذا التوقيت شكّل تعبيرا عن براغماتية سياسة الإدارة الذاتية في التعامل مع المتغيرات والتحسب لتداعياتها، خاصة أن المبادرة حملت طابع الحلول الوسط للمشكلات الخلافية وتناقض المواقف بشأنها، فتأكيدها على وحدة الأراضي السورية يبعد عنها الاتهام بالسعي إلى الانفصال، وهو ما قد يجعل التفاوض مع دمشق ممكنا ومقبولا، كما أن حديثها عن الاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين قد يخفف من الصدام مع تركيا أو تدفع الأخيرة إلى النظر في مثل هذا المقترح، خاصة بعد أن أصبحت قضية اللاجئين السوريين في تركيا مادة للجدل الداخلي بين الحكومة والمعارضة على أعتاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصيرية للطرفين، فضلا عن الأعباء التي تركتها هذه القضية في مختلف المجالات.
ربما لم تحظ مبادرة الإدارة الذاتية بالاهتمام الكافي من قبل وسائل الإعلام في ظل انشغال العالم بالأزمة السودانية، إلا أن طرحها تزامنا مع المتغيرات والتطورات الجارية قد يشكل دفعة مهمة للربط بين خطوات الخارج والداخل الجارية بشأن أزمة سوريا، لا سيما أن إمكانية الحوار بين دمشق والإدارة قائمة، وتحمل عوامل مهمة للنجاح، خاصة أن العلاقة بينهما لم تشهد حروبا أو صراعات دموية طوال السنوات الماضية، بل في أحيان كثيرة تقاطعت، لا سيما لجهة محاربة التنظيمات الإرهابية، وإمداد كل طرف للآخر بالمواد الأساسية من غذاء ودواء وطاقة.
ولعل تركيز المبادرة على طرح حلول وسط للقضايا الخلافية، قد يشجع روسيا على الدفع بجهودها للمصالحة بين دمشق والإدارة الذاتية، بما يحقق هذا الحوار خطوة مهمة على طريق الحل، ويوطد جبهة الداخل السوري في مواجهة التحديات ومكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، ولعل كل ذلك يتطلب إرادة حقيقية لدى الطرفين، ودعم عربي ودولي في الطريق إلى حل منشود بعد عقد من التدمير والخراب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة