من وراء الستار يدير، وبين صقور الإخوان حجز مقعدا لنفسه حتى بات أحد سدنة معبد التنظيم، إلى أن أصبح محمود عزت معادلة صعبة داخل الجماعة.
لا يؤخذ قرار داخل تنظيم الإخوان الإرهابي إلا بمشورة محمود عزت، ولا يُسند تكليف لأحد قيادات الجماعة إلا بموافقته، ببساطة هو المرشد "السري" للجماعة.
تولى عزت أمانة تنظيم الإخوان على مدار سنوات طويلة، قبل أن يتولى منصب نائب المرشد، ثم تنتقل الأمانة لمحمود حسين، أحد تلامذته المعروفين داخل مدرسة الصقور.
وقف وراء قرار تعيين الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عضوًا في مكتب الإرشاد عندما كان الأخير عضوا في البرلمان المصري ضمن كتلة الـ88 نائبا في العام 2005، إذ إن القرار صدر بالتمرير داخل المكتب وعن طريق الاختيار.
تجمعه علاقة نسب بمرشد الإخوان الراحل محمد مهدي عاكف، المتزوج بأخته، وقد أتاحت له هذه العلاقة أن يكون هو المرشد الحقيقي للتنظيم، فهو من كان يكتب بيانات الجماعة، وصاحب مواقفها المختلفة، فقد كان أحد المرشحين للمنصب إلا أنه فضل أن يحكم التنظيم من الظل.
المرشد الحقيقي
لطالما اشتهر محمود عزت بأنه المرشد الحقيقي في عهد محمد بديع، حيث نجح مع محموعة الصقور في قيادة دفة التنظيم كما كان في عهد المرشد السابق، ثم تولى قيادة الجماعة بعد إلقاء القبض على محمد بديع في مخبئه بعد ثورة 30 يونيو/حزيران من العام 2013 إلا أنه تم القبض عليه في إحدى الشقق السكنية بحي التجمع الخامس شرقي القاهرة في أغسطس/آب من العام 2020.
ولد محمود عزت في 13 أغسطس/آب عام 1944، فالرجل يبلغ من العمر 79 عامًا، ورغم ذلك يمتلك ذاكرة حديدية، فهو أحد الذين ابتلعوا التنظيم بداخلهم، فلم يمرر قرار داخل التنظيم إلا من خلاله أو تحت علمه.
محمود عزت، شخص مضطرب دائم الشك، لا يستخدم الهواتف النقالة إلا قليلًا، دائم الصمت في أغلب الأوقات، كما كان يُعرف عنه مراوغته، حيث يضع في جيبه دائما، ويستخدم خطوطه الهاتفية لمرة واحدة، ويُجري اتصالًا من كل واحد منها لا يستغرق سوى 40 ثانية، وهو يعتقد بهذه الطريقة أنه يهرب من المتابعة الأمنية.
لا يرد على هاتفه غالبًا، بل يتعمد نسيانه إما في المكتب أو المنزل أو العيادة الطبية، وكان يتعمد أن يظهر وكأنه سوف يُسافر إلى إحدى المحافظات المصرية، حتى إذا ما قام بتخطي بوابات الخروج من محافظة القاهرة التي كان يقيم فيها، فقد انتظر قليلًا ثم عاد للعاصمة ظنًا منه أنه بذلك هرب من الملاحقة الأمنية والتتبع.
ينتمي لمدرسة "فرج النجار" داخل تنظيم الإخوان، فهذه الشخصية نجحت في الهرب من أجهزة الأمن في أثناء تتبع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لنشاط التنظيم وقياداته، فهو رجل كثير الصمت، يغلب على طبعه الشك، كما أنه لديه حس أمني يدفعه دائمًا إلى إحساس أنه مراقب حتى وهو داخل منزله، وهو ما يجعله دائمًا مشتت الذهن، يُراقب الأماكن التي يتحرك فيها بعينيه الزائغتين دائمًا.
بداية إلقاء القبض عليه مثلت بداية انهيار التنظيم وبداية الخلاف أيضًا الذي نشب بين الدكتور محمود حسين، أمين عام التنظيم والراحل إبراهيم منير، فكل منهما نصب نفسه قائمًا بعمل مرشد الإخوان بعد غيابه في السجن ومحاكمته على الجرائم التي ارتكبها.
صعود ملحوظ
محمود عزت هو مرشد الإخوان "السري" في عهدي المرشدين محمد مهدي عاكف ومحمد بديع، الذي تولى السلطة فيما بعد.
بعدها تولى عزت منصب القائم بعمل المرشد بعد إلقاء القبض على "بديع"، وظل محركًا للأحداث من العام 2013 وحتى تم إلقاء القبض عليه من قبل السلطات المصرية في أغسطس/آب من العام 2020.
رقم صعب في معادلة التنظيم، وساعد في تشكيل ائتلاف فريق الصقور داخل التنظيم مع خيرت الشاطر ومحمود غزلان وآخرين داخل مكتب الإرشاد، بل إنه مهندس انتخابات مكتب الإرشاد، التي حصل فيها الدكتور عصام العريان، على عضوية مكتب الإرشاد، بينما خرج عبدالمنعم أبوالفتوح، وتم استبعاد محمد حبيب من مواقعه التنظيمية.
معروف بقدرته على إنهاء الخلافات التي ارتفعت وتيرتها في التنظيم خلال العقد الأخير قبل إعلان التنظيم جماعة إرهابية، فهو يميل دائمًا إلى أخذ قرارات صارمة تتعلق بالانتصار إلى فريق الصقور وتهميش أي حركة وليدة شبابية داخل الجماعة ووصفها بالمتمردة.
محمود عزت هو وجه التنظيم الحقيقي وأحد أهم الوجوه التي تعبر عن الجماعة مع خيرت الشاطر، فبقاؤه على قيد الحياة يُساعد في انهيار التنظيم، فهو يمثل مدرسة الصدام مع المختلفين معه ومع التنظيم، ولذلك هو الأكثر ميلًا لاستخدام العنف.