تناحر مليشيات طرابلس مجددا.. مأزق السراج يكشف ضعفه
المليشيات تفتقد إلى أساسيات المؤسسات العسكرية من العقيدة الموحدة واحترام التراتبية التي يفترض أن تجعل السراج قائدا أعلى لهذه الكيانات.
كشفت معركة الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس من المليشيات، منذ 4 إبريل/نيسان الماضي، إلى أي مدى كان ثوب المجلس الرئاسي غير الدستوري فضفاضا على رئيسه فايز السراج.
ففي حين يدعي السراج أنه يمتلك جيشا حقيقيا يقاوم به تقدم القوات المسلحة العربية في محاور القتال بالعاصمة، لكن هذه المليشيات فضحت حقيقته، وافتقادها إلى أهم أساسيات المؤسسات العسكرية من العقيدة العسكرية الموحدة واحترام التراتبية التي يفترض أن تجعل السراج قائدا أعلى لهذه الكيانات المسلحة.
هذه المليشيات التي لا طالما اقتتلت فيما بينها وهددت أمن العاصمة لعدة أعوام حاصرت طرابلس شتاء عام 2018، واشتد القتال بين الكتائب التي يفترض ان تتبع وزارة داخلية السراج وأخرى تتبع وزارة دفاعه، على رأسهم الإرهابي المطلوب أمميا صلاح بادي قائد "مليشيا الصمود" .
واتفق الطرفان على إنهاء المعركة في طرابلس، بعد لقاء رعته الأمم المتحدة وتوسط فيه المبعوث الأممي غسان سلامة، بمدينة الزاوية -غربا-، ليسود فيما بينهم هدوء حذر، إلى أن جمعهم هدف مشترك وهو "العداء للجيش الوطني"، في معركة واحدة، إلا أن هذا الشقاق اشتعل مرة أخرى ما ينذر بنهايتهم وانتصار الجيش الليبي.
صراعات المليشيات
في وسط هذا الضغط العسكري اشتدت الصراعات بين مليشيات حكومة الوفاق غير الشرعية، وبدأت الصراعات الداخلية تطل برأسها، وكانت بداية الصراع خلاف دموي بين المليشيات بمدينة الزاوية بسبب الصراع على تقاسم صفقة المدرعات التركية التي وصلت إلى المليشيات.
وظهر اختلاف المليشيات في مايو/أيار الماضي، على تقاسم المنحة التركية الدموية، ما خلف مقتل مسلحين، أبرزهم فراس المختار شركس، آمر مليشيا وابن عمه عبد الرحيم فتحي شركس على يد وسام رمضان عبد الله الحطاب، ومحمود محمد علي كريم، واستهداف المليشيات لمنزل عائلة الزعلوك في منطقة طريق البرناوي بقذائف «آر بي جي» للاشتباه في تورط نجلهم، القيادي بإحدى المليشيات.
الخميس 20 يونيو/حزيران عادت هذه الاشتباكات بين المليشيات، فوفق مصادر صحفية محلية من طرابلس فإن مليشيات البقرة –التي يقودها الإرهابي الإخواني بشير خلف الله- اتهمت نظيرتها "الردع" باعتقال بعض متطرفيها، واستهدفت مقرات مليشيات قوة الردع الخاصة -بما فيها مواقع بالقرب من مطار معيتيقة- بعدة قذائف، على الرغم من كونهما جميعا يتبعان حكومة السراج، ولم تتبين نتائج القصف حتى الآن.
المليشيات تضغط على السراج
أدركت المليشيات الإرهابية أنها خاسرة لمعارك طرابلس لا محالة، فحاولت أن تؤمن مستقبل قادتها، فأجبرت حكومة السراج على تعيينهم في مناصب هامة بسفارات الخارج.
دفع الإرهابي صلاح بادي بمليشياته للهجوم على مقر وزارة الاقتصاد والصناعة، وبعد محاصرة المبنى أجبر وزير الاقتصاد والصناعة علي العيساوي على تكليف مستشارين تجاريين جدد بتركيا وتونس.
ورغم أن العيساوي أحد أبرز المتهمين في قضية مقتل اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الأركان السابق، ويتفق معهم في التيار الذي ينتمون إليه، فإنه كان معارضا للقرار إلى أن تراجع تحت الضغط، وكلف فتحي عمار محمد مستشارا تجاريا في تونس، وعمر مصطفى عمر مستشارا تجاريا في تركيا، وهما من المحسوبين على صلاح بادي.
كما هدد القيادي البارز في ميليشيا “ثوار طرابلس” وعضو المجلس البلدي نالوت عاطف بالرقيق فايز السراج بأنه سيفقده هيبته في حال لم يقم بإقالة عدد من الوزراء والمسؤولين في حكومته.
وأملى بالرقيق على السراج عدة قرارات ليصدرها تضمنت إقالة وزير الخارجية، محمد طاهر سيالة، ووكيل وزارة الصحة، محمد هيثم عيسى، ورئيس مجلس إدارة الليبية القابضة للاتصالات، ونائب رئيس لجنة الأزمة فيصل قرقاب.
وفي تحد صريح لفايز السراج، قال بارقيق" في حال لم يتم تغيير المسؤولين والوزراء بالإجراءات الروتينية المتبعة، فإنه سيتم تغييرهم بطرق “ستفقد رئيس المجلس الرئاسي هيبته".
انشقاقات وهروب
لم يكن إعلان الجيش الليبي في الـ15 من الشهر الجاري، أن مليشيات مصراتة في نقاشات حادّة بين العودة لمدينتها أو البقاء في محاور القتال في طرابلس، خوفا من الهجوم عليها في معاقلها بمصراتة" وذلك تكريس لحالة الانقسامات داخل صفوف مليشيات السراج.
ومن أشهر المليشيات التي انسحبت من محاور القتال رغم بقائها على إيمانها بالفكر المتطرف، مليشيا فراس شركس بعد اغتياله في الصراع على المدرعات التركية، بمدينة الزاوية.
وقد حاول العديد من قيادات المليشيات الهروب من المعركة إلى خارج البلاد، موهمة للمغرر بهم من أتباعهم أنهم سافروا إلى الخارج لعقد صفقات تسوية.
ومن أبرز هؤلاء القيادات المستشار الأمني لرئيس المجلس الرئاسي، هاشم بشر، وقائد كتيبة “ثوار طرابلس” هيثم تاجوري اللذان غادرا مع عائلاتهما متجهين إلى العاصمة الفرنسية باريس، تاركين مليشياتهم تلقى مصائرها المحتومة على يد الجيش الليبي.
أما بالنسبة للكتائب شبه النظامية والعسكرية، فقد قررت بإرادتها التامة أن تنشق عن صفوف المليشيات الإرهابية والإجرامية مثل الحرس الخاص بـ"السراج"، وتنسحب من مواقعها بطريق الشط وسط العاصمة.
وفيما يخص الكتائب العسكرية النظامية التي كانت تخضع لحكومة السراج فقد قررت انشقاقها عنه مثل الكتيبة (185 مشاة)، بقيادة العقيد محمد مفتاح الغدوي والانضمام بمعداتها العسكرية ومقاتليها إلى صفوف الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
كما أعلنت مديريات أمن النواحي الأربعة في ليبيا، وهي (سوق الخميس امسيحل، سوق السبت، السبيعة - سيدي السايح، قصر بن غشير)، انشقاقها عن حكومة الوفاق غير الدستورية، وتبعيتها لوزارة الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة.
اعتراضات على مبادرة السراج
إثر تتابع العمليات العسكرية في العاصمة من قبل الجيش، وتوالي الخسائر الكبيرة للمليشيات في العتاد والأفراد، أعلن السراج، 16 يونيو/حزيران الجاري عن "مبادرة" تقوم على عقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، يتم خلاله الاتفاق على خارطة طريق للمرحلة المقبلة والقاعدة الدستورية المناسبة، لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، وهي ما رفضتها المليشيات التي يدعمها.
وفي منعطف هام يشير إلى عدم تجانس المليشيات التي تقاتل ضد الجيش، وعدم انصياعها لأوامر السراج، بل خضوع رئيس المجلس الرئاسي لسلطتهم، أعلنت مليشيا الصمود أن "مبادرة السراج لا تساوي الحبر الذي كتبت به".
وقال القيادي في المليشيا الإرهابية أحمد بن عمران، إن المبادرة تعد "استجداء" من السراج للمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي.
ومليشيا الصمود لم تكُن أولى حلفاء السراج في رفض مبادرته، حيث يتداول رفض قادة تابعين لحكومة الوفاق المبادرة مثل: علي اشتيوي، الملقب بـ"السريعة" قائد محور اليرموك، ومحمد خليل عيسى بمحور الزطارنه، والمهتدي اغليو، محور وادي الربيع.