في أحد أجنحة معرض «الشارقة» للكتاب الذي انعقد بداية الشهر الجاري توقفت أمام بعض العناوين المتعلقة بالتغيرات المناخية، أحدها كان يتعلق بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
تصفحت الكتاب، وجدتني أمام تأمل تاريخي، ومفارقة مستقبلية، لا سيما أن دولة الإمارات تستعد لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، بشأن تغيير المناخ (cop28)، الرحلة ممتدة، والمسؤولية متوارثة، الأبناء يواصلون تنفيذ رؤية واستراتيجية الأب المؤسس.
فالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان حريصا ومهتما بالبيئة والتنوع البيولوجي، وصارت له علاقة متفردة بالطبيعة، حتى صار واحدا من الشخصيات البارزة في سجلات حماية البيئة، واستدامة الموارد.
أتذكر أيضا أن أحد الدبلوماسيين الإماراتيين بالقاهرة حكى لي بشغف عن حجم المشروعات التنموية المستدامة، والبرامج والمبادرات البيئية التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على الصعيدين المحلي والعالمي، وضرب لي محدثي مثالا عن برامج التشجير، ومشاريع الغابات التي ملأت دولة الإمارات، وغيرها من النهوض بأفكار تتعلق بالمحميات الطبيعية، بالإضافة للتعاون والاتفاق الذي وقعه مع جامعة أريزونا، في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1967، بشأن إطلاق أول مشروع في المنطقة لإنتاج الخضراوات من داخل البيوت المحمية، كل هذا الاهتمام بالبيئة من قبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قاده إلى حصد العشرات من الجوائز والأوسمة من المؤسسات العالمية المعنية.
هذا الدور الفاعل للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مجال البيئة والتغيرات المناخية، ضاعف من المسؤولية لدى القائمين على تنظيم (cop28)، لا سيما أن الظروف مختلفة ومتباينة، بل هي الآن أكثر حداثة وتطورا، بات العالم تكنولوجياً بامتياز، ومن ثم تطورت الأدوات والآليات التي يمكن من خلالها مواجهة هذه الظاهرة المخيفة على البشرية، ومن ثم فإن حجم المجهود سيكون مضاعفا لإحراز تقدم ملموس في مواجهة أخطار التغيرات المناخية.
لا شك أن أنظار العالم تتجه يوم الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، صوب مدينة إكسبو دبي، حيث تستضيف (cop28)، بعد أن تتسلم رئاسته من جمهورية مصر العربية، التي استضافت (cop27)، في مدينة شرم الشيخ، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ما يستحق التوقف أمامه الآن أننا أمام تحد كبير يمر به العالم، الخسائر متزايدة في الأرواح في شتى أنحاء العالم، شاهدنا الحرائق التي تلتهم الغابات سنويا، ونتابع جيدا العواصف التي تتسبب في جفاف الأراضي الزراعية، والمدن التي تئن من الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، الآمال تحدونا كثيرا في أن نقاشات ومخرجات (cop28) تقود إلى تفعيل واقعي لكل الرؤى والأطروحات ذات الصلة بهذه الظاهرة، خصوصا أن تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أكدت أن درجات الحرارة في العالم ترتفع إلى مستويات قياسية، وحذرت من أن الحكومات لم تتخذ الإجراءات الكافية لتقليص انبعاثات الغازات الدفينة، وذلك من خلال التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ووقف إزالة الغابات، وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة.
إذن، نحن أمام قمة منتظرة تراعي كل هذه الأخطار، وتبذل جهدا كبيرا في مواجهتها، وتضع الجميع أمام مسؤولياته، من أجل الوصول إلى ثمار جيدة، يأتي في مقدمتها التأكيد على أهمية تنفيذ الدول المتقدمة تعهدها بتقديم مائة مليار دولار إلى الدول النامية، من أجل تمكينها من التعامل مع الأخطار المناخية، فضلا عن خلق شركات عالمية إقليمية تقوم على الاستفادة الجماعية من كل القمم، التي عقدت منذ عام 1995، وأن تكون قمة المناخ (cop28) جرس إنذار ومحطة لاتساع دائرة التسويق لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والنقل والاستخدام الصناعي في مختلف أنحاء العالم.
أخيراً أقول إنه على الرغم من التهديدات الكبرى للتغيرات المناخية إلا أن الفرصة لا تزال قائمة أمام البشرية وسكان الكوكب، وقادة العالم لإنقاذ الأرض قبل أن تتفاقم تداعيات الأزمة.
الكاتب: رئيس تحرير الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة