بعد سنوات الظلام.. هل ينجح العراق في اختبار الطاقة المتجددة؟
بعد إخفاق طويل في مجال تحسين وضع المنظومة الكهربائية في العراق وقدرتها على الصمود أمام مواسم الحرارة العالية والمنخفضة.. فما البديل؟
منذ 17 عاما يعاني العراقيون من نقص حاد بالكهرباء من الجهات الحكومية، في وقت أنفق العراق -وفق تحقيق أجراه البرلمان السابق نهاية العام 2020- نحو 81 مليار دولار على مشاريع الطاقة الكهربائية في البلاد.
خلال السنوات الأخيرة بدأت السلطات العراقية المعنية تتحرك نحو الطاقة البديلة أو ما يعرف بـ"المتجددة" لمعالجة أزمتها المزمنة.
ورغم أن العراق غني بالموارد الطبيعية ويمتلك خامس احتياطي من النفط عالمياً، إلا أنه يعاني منذ أكثر من 3 عقود من تراجع الأداء في كفاءة المنظومة الكهربائية والتي غالباً ما تكون سبباً في اندلاع الاحتجاجات الغاضبة وخصوصا خلال مواسم الصيف.
- الإمارات توقع عقد إنشاء 5 محطات كهروشمسية في العراق
- كونسورتيوم دولي يفوز بمشروع ضخم للطاقة الشمسية في العراق
وبحسب مختصين، يمتلك العراق آفاقاً واعدة في التحول التدريجي من الطاقة الأحفورية كالنفط والغاز إلى أشكال متنوعة من الطاقة المتجددة والنظيفة، وبما يتناسب مع الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة لتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
ويتوافر للعراق الظروف المثالية للانتقال التدريجي إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، خاصة أن التغير المناخي قد رفع من درجات الحرارة إلى مديات غير مسبوقة والتي تجعله أحد أكثر مستويات الإشعاع الشمسي جاذبية.
يقول الخبير الاقتصادي، صالح لفتة، إن "أبرز مصادر الطاقة المتجددة في العراق هي الشمس والرياح والمياه.. إذ تقريباً لدينا 300 يوم مشمس بالسنة ويمكن استغلال هذه الهبة الربانية".
ويضيف لفتة خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "هناك مناطق مناسبة لبناء مزارع توليد طاقة الرياح لرفد المنظومة الوطنية بالكهرباء، فضلاً عن الطاقة الكهرومائية التي لم يستغلها العراق بكامل طاقتها والتي تفرض على المعنين التوسع في بناء السدود لتوفير الطاقة المطلوبة".
ويشدد : "للأهمية الكبرى نرى ضرورة التطرق لموضوع الطاقة المتجددة وعدم إضاعة الفرصة، لنكون من الدول الرائدة لاستغلال مصادر الطاقة النظيفة والبحث عن بدائل جديدة لتوليد الطاقة، تجنبنا الاعتماد على الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري القابل للنفاد أولا والملوث للبيئة ثانياً".،
وكان العراق قد تحرك مؤخراً في توقيع عدد من المشاريع والاتفاقيات مع شركات عالمية لإنتاج نحو 7.5 ميجاوات من الطاقة المتجددة إلا أن أغلبها يحتاج إلى مديات تصل إلى نحو 6 سنوات حتى تدخل فعلياً في رفد شبكات المنظومة.
المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد العبادي، يقول إن العراق يطمح من خلال مشاريع الطاقة النظيفة إلى تحقيق 7 آلاف و500 ميجاوات كمرحلة أولى.
وذكر العبادي لـ"العين الإخبارية"، أن وزارة الكهرباء أبرمت عدة اتفاقات وبرتوكولات دولية لإنجاح المشروع الحكومي الخاص بالطاقة الكهربائية ومن بينها التعاقد مع شركة "بور شاينا" الصينية، وشركة "توتال" الفرنسية لتزويد الشبكة الوطنية بألف ميجاوات، إضافة إلى التعاقد مع شركة "مصدر" الإماراتية لتزويد 4 محافظات عراقية بألف ميجاوات كمرحلة أولية ومن ثم الانتقال لمحافظات أخرى.
ومؤخراً وقعت وزارة الكهرباء العراقية مع شركة (Ascot) النرويجية اتفاقا لإنشاء محطات كهروشمسية بطاقة 525 ميجاوات بحسب المتحدث الرسمي أحمد العبادي.
وعن بدء العمل بتلك المشاريع الاستثمارية، قال العبادي إنه "سيبدأ فور انتهاء الإجراءات الإدارية والقانونية في البلاد".
الطاقة الشمسية في عروق المنظومة المتهالكة
يلفت خبير الطاقة، يسار المالكي، إلى أن شروع العراق في الذهاب نحو المحطات الكهروشمسية مع أنها خطوة متأخرة كثيراً عن الركب العالمي إلا أن ذلك خيراً من ألا تأتي.
ويؤكد المالكي خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "البلاد تسعى إلى تحقيق إنتاج من الطاقة الشمسية يصل لنحو 12 جيجاوات كهدف مستقبلي، حيث يجري الآن النقاش والبعض منها في طور التعاقد على تحقيق 7.5 جيجاوات خلال فترة أمدها 4 سنوات".
وتابع: "ولكن الطاقة الكهروشمسية ورغم الرخص في تكاليفها وسرعة الإنجاز ونصب محطاتها مقارنة بالتقليدية، إلا أنها تنظوي على الكثير من المشكلات الفنية والتقنية التي تتطلب أن تكون المنظومة العراقية مستعدة للتعامل معها".
ويوضح المدير العام لمعهد "الطاقة"، يسار المالكي، أن "الطاقة المتجددة تأخذ شكلاً متقطعاً مما يسبب تحديات جديدة لمنظومة الطاقة الكهربائية التقليدية والتي تعاني القدم وعدم الأهلية الكاملة في استقبال ومزواجة الإنتاج".
ويستدرك في القول: "يجب النظر في استقرار الشبكة الوطنية للكهرباء من خلال الاستمرار في مزج الطاقة التقليدية والطاقة الشمسية إلى جانب التخزين، عن طريق توصيل الطاقة باستمرار ليلا ونهارا عبر تلك الشبكة".
ويتابع:" كان من المفترض الشروع بمشاريع صغيرة في العراق بمجال الطاقة المتجددة كما حصل في الأردن وبعض الدول الأخرى حتى يتسنى التأكد من قدرة الشبكة الكهربائية للتعامل مع تلك الآليات وطرق التوليد الجديدة".
ويشير المالكي، إلى أن "الطاقة البديلة ليست كافية لإخراج العراق من أزمته الكهربائية الطويلة إن لم تترافق معها خطوات أخرى تتمثل في تحسين المنظومة الوطنية".
ويعطف بالقول: "مشكلة الكهرباء الرئيسية في العراق ليست في التوليد وإنما في النقل والتوزيع وتقليل الفاقد من الطاقة مما يتطلب العمل على تقليل تلك النسب التي من شأنها تحقيق واقعاً إنتاجياً أفضل".
وليس الأمر مقتصراً على إيجاد الضائعات في الشبكة الكهربائية كما يذكر المالكي، وإنما في الاستفادة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط من خلال استثماره بكميات أكبر.
ويبين أن "العراق يحرق أكثر من 50% من ذلك الغاز بسبب عدم وجود بنى تحتية قادرة على التعامل مع تلك الكميات في استثمارها في وقت تحتاج البلاد إلى نحو 7 مليار متر مكعب من الغاز لإنتاج نحو 35 جيجاوات من الطاقة فيما لم نستحصل منها لغاية الآن أكثر من 2.69 مليار قدم مكعب يومياً".
ومع أن العراق انفق أكثر من 80 مليار دولار على تحسين وضع الطاقة الكهربائية في العراق خلال 18 عاماً، إلا أن مستوى الإنتاج لم يتجاوز 17 جيجاوات، فيما تبلغ الحاجة الفعلية للبلاد نحو 26 جيجاوات ومؤهلة للتصاعد على نحو مضطرد.
aXA6IDE4LjExOC4zNy44NSA= جزيرة ام اند امز