مجزرة "العيلفون".. جريمة إخوانية تسيطر على ذاكرة السودانيين
الجريمة التي ارتكبت في أبريل 1998 جسدت حجم القهر الذي كان يمارسه نظام الإخوان البائد بحق الشباب، وكيف يغتال أحلامهم عن طريق التجنيد
لم يستطع عقدان من الزمن محو التفاصيل الدقيقة لعملية عملية اغتيال أكثر من مائة طالب في معسكر "العيلفون" للتدريب الحربي شرقي الخرطوم من ذاكرة السودانيين، بسبب بشاعة الجريمة التي ارتكبها نظام الإخوان البائد.
وجسدت الجريمة التي ارتكبت في أبريل/نيسان 1998 حجم القهر الذي كان يمارسه نظام الإخوان البائد بحق الشباب، وكيف يغتال أحلامهم عن طريق التجنيد القسري "الخدمة الإلزامية"، والدفع بهم لقتال الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرن في أدغال جنوب البلاد.
وبعد 22 عاما من التكتم على اغتيال هؤلاء الطلاب في الواقعة المعروفة محليا "بمجزرة العيلفون"، بدأت سياط العدالة تتلمس طريقها نحو عناصر الإخوان المتورطين، إذ تجري النيابة السودانية حاليا تحقيقات لكشف ملابسات الجريمة.
وكانت النيابة أعلنت، في يونيو/حزيران الماضي، اكتشاف مقبرة جماعية، يرجح وفق البينات الأولية، إنها لطلاب معسكر العيلفون، وكان ذلك أول تحرك رسمي للوصول إلى الجناة في هذه الجريمة منذ عقدين.
وتعود تفاصيل هذه المجزرة إلى نهاية شهر مارس العام 1998، عندما طلب المجندون في معسكر العيلفون للتدريب الحربي منحهم إجازة لقضاء عيد الأضحى مع عائلاتهم، ولكن إدارة المعسكر رفضت لكونها جندتهم بشكل قسري، ولا يوجد ضمان لعودتهم مجددا.
لكن المجندون الذين غالبيتهم طلاب أكملوا المرحلة الثانوية المؤهلة للجامعة، قرروا الهروب الجماعي، مما اعتبرته إدارة المعسكر تمردا، وأطلقت عليهم الرصاص، فلجأ بعضهم إلى النيل الأزرق المجاور مستغلين مركبا حديديا غير أنهم غرقوا في عرض البحر، وعددهم 55 طالبا، وفق روايات متطابقة وموثقة.
وبينما مات عدد مماثل برصاص الحراسات العسكرية لا يزال هناك مفقودون، لتتجاوز الحصيلة الكلية لضحايا هذه المجزرة 100 شخص.
وتشير تقارير سودانية إلى أن قيادات رفيعة في نظام الإخوان البائد أصدرت توجيهات صارمة بقتل كل من يحاول الهروب من معسكر العيلفون، بعدما وصلتهم معلومات بذلك، وحتى يكونوا عظة وعبرة للآخرين.
لا تسقط بالتقادم
ويقول المحلل السياسي علي الدالي إن "مجزرة العيلفون من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، وستجد العدالة طريقها إلى عناصر نظام الإخوان الإرهابي حتما، خاصة أن النيابة بدأت تحقيقات واسعة بغرض الحصول على البينات اللازمة لتوجيه التهم للمتورطين وإحالتهم للمحكمة".
ويرى الدالي خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أنه من السهل الوصول إلى المتورطين في هذه الجريمة وتقديمهم للمحاكمة، حيث يعتبر المسؤولون في دائرة الخدمة الإلزامية في ذلك الوقت متهمين أوائل في القضية".
وبحسب تقديره، فإن النيابة السودانية لديها إرادة قوية، في محاكمة المتورطين في مجزرة العيلفون، كغيرها من الجرائم البشعة الأخرى التي ارتكبها تنظيم الإخوان الإرهابي، وأحزنت وجدان السودانيين طوال ثلاثة عقود ماضية.
بدوره، يؤكد المحلل السياسي صلاح منهل ضرورة أن تحصل عائلات ضحايا مجزرة العيلفون على القصاص بعد أن صبرت لسنوات، بسبب قمع النظام البائد وسيطرته على المؤسسات القضائية والعدلية.
وقال منهل خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" "هذه من أبشع الجرائم التي ارتكبها نظام البشير، فهو قتل أحلام صبية في مقتبل العمر، بتجنيدهم قسرا وإرسالهم عنوة للقتال في جنوب السودان وقتها، تاركا الحزن في قلوب عائلاتهم".
وأضاف "حان الوقت للقصاص من المتورطين في مجزرة العيلفون، ورد الحقوق لكافة ضحايا التجنيد القسري خلال سنوات حكم الحركة الإسلامية السياسية".
ورغم بشاعة هذه الجريمة إلا أنها ظلت طي الكتمان طيلة السنوات التي أعقبت ارتكابها نتيجة حالة التضييق الأمني التي فرضها نظام الإخوان البائد على الملف.
وحتى عائلات ضحايا مجزرة العيلفون تم ترهيبهم وتهديدهم، بشأن إثارة الملف في الوسائل المختلفة، مما دفعهم لالتزام الصمت طيلة السنوات الماضية.
ومنذ مطلع التسعينيات، درج نظام الإخوان البائد على تجنيد الشباب قسرا وإرسالهم لقتال الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرن في جنوب السودان، تلك الحرب التي صورتها الحركة الإسلامية السياسية بأنها دينية لكسب تعاطف السودانيين.
وبعد أن تسبب الإخوان في قتل آلاف الشباب السودانيين في تلك الحرب، أبرموا اتفاقا مع الحركة الشعبية في نيفاشا العام 2005م، وانفصل جنوب السودان بموجبه عبر استفتاء شعبي عام 2011م.