اليوم الأخير في حياة أمل دنقل.. جابر عصفور يكشف التفاصيل والوصية
الدكتور جابر عصفور يتحدث لـ"العين الإخبارية" عن وصية الشاعر أمل دنقل وتفاصيل يومه الأخير وموقف من عبدالرحمن الأبنودي
قبل وفاته بساعات قليلة، استشعر الشاعر المصري أمل دنقل أن الرحيل أقرب إليه من الاستسلام لجرعة علاج جديدة، وانشغل قليلا ليجهز جملا محددة يلقيها على صديقه الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، بعد أن رفضت زوجته الكاتبة الصحفية عبلة الرويني مجرد السماح له بالتفكير في الحديث عن وصيته.. محبة كبيرة كانت تمنعها من قبول فكرة الرحيل والموت.
اللقاء الأخير
في الذكرى الـ80 لميلاد الشاعر الراحل أمل دنقل، حكى لنا جابر عصفور تفاصيل اليوم الأخير في حياة "دنقل"، قائلا: "في غرفته بالمستشفى، كنت متواجدا مع عبلة الرويني والشقيق الأصغر لـ(أمل)، وفجأة طلب من الجميع مغادرة المكان، وسمح لي بالبقاء إلى جانبه، وقال لهم (عايز جابر لوحده)، وطلب مني الاقتراب قليلا، لأنه كان متعبا للغاية، وهمس لى قائلا: (أنا هاموت خلاص)، وبعدها سكت قليلا، وقلت له كلاما طيبا عادة يكرر في مثل هذه المواقف وطلبت منه ألا ينسى رحمة الله، لكنه كان جديا وبلهجة قوية أجبرني على أن أكون هكذا، وأن أسمعه في صمت".
الدفن في "القلعة"
وأضاف عصفور لـ"العين": "بعدها أشار إلى وسادة السرير، وكان يحتفظ بمبلغ مالي تحتها، وطلب منى أن أخذ المبلغ كاملا قبل أن أغادر المستشفى، ولما سألته عن السبب، قال بحدة: (أنا لما هاموت تاخدني لقريتي في محافظة قنا، قرية القلعة، وتدفني مع والدي)، ولأنه يدرك أن السفر بالجثمان من القاهرة إلى قنا سيكون من خلال الطيران الداخلي، رفض أن يدفع أي من أصدقائه جنيها واحدا في تكاليف السفر، وذكر لي أسماء الأصدقاء الذين يريد أن يرافقوه ويشهدوا مراسم الجنازة والدفن، وكان من بينهم الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي، الناقد الراحل الدكتور عبدالمحسن بدر، والكاتب الراحل سيد البحراوي، وجابر عصفور".
شهامة الأبنودي
وتابع وزير الثقافة الأسبق: "غادرت المستشفى ومعي المبلغ، وفي فجر اليوم التالي، هاتفني شقيقه وأخبرني برحيل أمل عن الدنيا، وهنا بدأت أتذكر كل حرف سمعته من الراحل قبل ساعات، وأخبرت الأبنودي والبحراوي وبدر بوصيته، وبسبب نزعة الشهامة عند أهل الجنوب أقسم الأبنودي أن يتحمل هو التكاليف لآخر لحظة، ولما رفضنا غضب كثيرا، لكن في الأخير أقنعه بدر بأن هذه وصية أمل ويجب أن تنفذ، وبالفعل سلمته المبلغ ليسافر هو مع الجثمان قبلنا، وبعدها لحقنا به ونفذنا الوصية، ودفن أمل في مسقط رأسه إلى جواره والده كما أراد".
حياة الصعاليك
وقال عصفور: "لفت انتباهي بعد أن وصلت إلى القرية صيت وثراء عائلة دنقل، فرغم صداقتنا لم يخبرني ولو مرة واحدة بأنه ينتمي لأحد أكبر عائلات الصعيد (في جنوب فيصل)، ودائما كنت أظنه من أسرة فقيرة، وحدثت نفسي وقتها وتساءلت لماذا كان يقبل أمل دنقل أن يعيش في مناطق عشوائية بالقاهرة ويرضى بحياة الصعاليك رغم ثراء عائلته في الصعيد؟".
واقعة غريبة تعرض لها أصدقاء "أمل" الذين رافقوا جثمانه إلى قرية القلعة في قنا، يقول عنها الدكتور جابر عصفور: "قبل السفر نشرنا نعيا في جريدة الأهرام بأسماء المجموعة التي أوصاني بها الراحل قبل مماته، وبعد عودتنا من قنا هاجمتنا إحدى الصحف الكبرى تحت عنوان (شيوعيون ينعون شيوعيا)، وذكرتنا جميعا، كلا باسمه".
ملوك الطوائف
تفصيلة من كواليس علاقته بأمل دنقل، خصنا بها "عصفور" قائلا: "عرفت أعمال الشاعر السوري الكبير أدونيس من خلال أمل دنقل، فالأخير كان لا يحب أدونيس أيديولوجيا، لكنه كان شديد الإعجاب به شعريا، وكان لأمل عادة غريبة في القراءة، ففي غرفته الصغيرة بإحدى المناطق الشعبية، والتي كان به سرير وكرسي فقط، يجلس على السرير ويلقي الكتاب على الأرض، وبعدها يمد عينيه إلى الكتاب ويقرأ من فوق السرير، وفى إحدى المرات صرخ وطلب مني أن استمع لقصيدة سيلقيها، وكانت قصيدة (ملوك الطوائف) لأدونيس، وكان يقرأ بإعجاب شديد، وطلبت منه أن يعيدها، فقرأها 3 مرات، ومن وقتها تعلقت بشعر أدونيس، وكانت بداية محبة طويلة ودائمة لهذا الرجل".