ترسم تفاصيل العملية الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي انتهت بإعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، مشهداً مقلقاً وبالغ الخطورة في مسألة الحفاظ على الصورة النمطية لنموذج أمريكا.
ليس فقط فيما يخص شفافية الانتخابات التي تعتبر الأكثر نزاهة في العالم، ولكن باعتبارها الدولة الرائدة الأولى في العالم بكل شيء تقريباً.
والسبب في هذا القلق، أن أغلب فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومناصريه ما يزالون مقتنعين ومصرين على أن الانتخابات الأخيرة تم تزويرها والتلاعب في نتائجها، مع أن كل القضايا التي رفعت ضدهم لم تقبل، وبالتالي حتى الـ 20 من يناير العام المقبل وهو موعد تسليم مقاليد الرئاسة، فإن القلق مستمر في الداخل الأمريكي وخارجه، من أي سيناريو يمكن أن يحدث، مع أن الوضع العام تشريعياً يبين أن بايدن هو الرئيس.
فالتصريحات المتناقضة للسياسيين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تصعب من حسم الموقف، بل حتى بين أتباع الحزب الواحد تجد أن هناك تناقضات وأن أكثرها عند الجمهوريين، ورغم أن المسألة بالدرجة الأولى داخلية أي تخص الأمريكيين، إلا أن مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية والتأثير فيها، تثير تساؤلات حول قبول الأمريكيين أنفسهم بما يحدث من هدم لهذه الصورة.
إن تكرار مشهد التشكيك في نتائج الانتخابات، يذكر الكثيرين بما حدث عام 2000 بين بوش الابن وآل جور عندما أقرت المحكمة العليا الأمريكية بفوز بوش مع أن النتائج كانت تشير إلى فوز آل جور، هذا المشهد قد يسمح بتراجع نظرة الإعجاب للنموذج الأمريكي لدى الرأي العام العالمي لمكانة الولايات المتحدة وربما "تخدش النموذج" في مجالات أخرى خاصة بعد تلك الفوضى الأمنية الناتجة عن مقتل جورج فلويد في يونيو الماضي التي فقدت السيطرة عليها الأجهزة الأمنية مبينة هشاشة تلك المؤسسات.
الإعجاب بالنموذج الأمريكي الآن في موضع ملاحظة وترقب، ليس فقط من الذين يشككون في الأصل بأن هذا النموذج هو استثناء في العالم، من حيث القوة العسكرية والاقتصادية والصناعة والجامعات وغيرها من المجالات، وإنما هناك آراء تطرح على استحياء على سبيل تساؤلات وفق نظرية المؤامرة على وزن من قال بأن الانتخابات الأمريكية نزيهة وشفافة؟!، أو أنها نموذجية، ويحاول أن يثبت وجهة نظره بما حدث في انتخابات 2016 التي يتردد بأن الروس تدخلوا للتأثير في نتائجها.
الآن هناك قلق بدأ ينتشر من أن يزيد موقف ترامب وتعنته، من زعزعة الإعجاب التقليدي بالنموذج الأمريكي، إن لم يتم حسمه حتى قبل التاريخ المحدد لتسليم السلطة إلى الفائز.
طبيعي أن يختلف السياسيون الأمريكيون وغيرهم في الحكم على مواقف معينة، وأن يتم احتواؤها وفق طرق معينة خاصة في دولة المؤسسات، ولكن أن يصل الاختلاف إلى مرحلة أن رئيس الدولة نفسه يشكك في نموذج الدولة، فسيكون كأنه يفتح الباب لتوجيه السهام وكسر الصورة النمطية للدولة العظمى، لأن المشهد بعد ذلك سيتغير وتتبدل المواقف من حالة الإعجاب التي استمرت لعقود من الزمن إلى قناعات بأننا فعلا في عالم "بلا نموذج".
الشيء المؤسف أن البعض (خاصة من المتحفظين على النموذج الأمريكي) يعتقد أن هذا الأمر مطلوب لأسباب إعلامية وللحراك العالمي لإعادة ترتيب النظام الدولي لذا نجد هناك حالة من الترقب والمتابعة من روسيا بوتين ومن الصين لكن مثل هذه الأفكار ليست في كل الأوقات تخدم النظام العالمي، لأن الفوضويين أصبحوا منتشرين في العالم، ويسعون دائماً لتخريب النموذج كي يتمكنوا من التحرك بسهولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة