لا تبدو بكين للوهلة الأولى راغبةً في استفزاز واشنطن، ولا يوجد في جعبة التنين الصيني أي نية لتدمير العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن الوقائع على الأرض تتحدث عن تدهور التعاون بين الجانبين في الشقين العسكري والسياسي منذ وصول الرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي إلى البيت الأبيض قبل عامين ونصف.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التبادل التجاري الضخم بين البلدين سنجد أرباحاً تفوق التصور والوصف، لكن هذا كله جعل الصين في أتون صراع محتدم مع الأمريكان لاسيما إذا ارتبط الأمر بجزيرة تايوان التي تمتلك علاقة ممتازة مع أمريكا، وتحظى بدعم عسكري مهولٍ يغضب بكين ويجعلها أمام خيارين أحلاهما مرٌ كما يقال في المثل.
ولعل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبكين قبل أيام لم تكن مفيدة بالحد المطلوب، أقله في نظر الرئيس بايدن الذي عبر عن خيبة أمله بطريقة غير مباشرة، وطالب الجانب الصيني بإعادة العلاقات العسكرية والخط الساخن بين وزيري الدفاع في واشنطن وبكين بأسرع وقت.
وبالوقوف على شكل الزيارة وماهيتها سنرى الوزير بلينكن وقد اجتمع بنظيره الصيني الجديد "تشين غانغ" الحاصل على لقب "مستشار الدولة" إلى جانب منصبه الدبلوماسي الكبير، و في تلك دلالة على الثنائية الصينية الحالية في التعاطي مع الملفات الخارجية بما يخص الغرب، دون أن نغفل اللقاء المهم الذي حظي به الوزير بلينكن مع "وانغ يي" مدير مكتب الشؤون الخارجية في جمهورية الصين، و هو منصب مستحدث لهذا الرجل الذي كان وزيراً لخارجية الصين في المرحلة السابقة.
ولعل الجلسة الأهم بالنسبة لطبيعة المحادثات وسياق التفاوض الصيني الأمريكي -إذا صح التعبير- جعلت الوزير الأمريكي بلينكن يلتقي الرئيس الصيني "شي جين بينغ" لساعة ونصف، بحضور كبار المسؤولين الصينين المعنيين بالملف الأمريكي، وهنا يمكن القول بأن النقاشات أخذت مساراً أكثر وضوحاً، لكن دون أي نتيجة ملموسة حتى اللحظة.
وقد حاول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مغازلة الصين عبر بوابة تايوان، حين أكد الرجل أن نهج أمريكا يقوم على أساس "الصين الواحدة" وأن لا نية لواشنطن بدعم انفصال الجزيرة الاستراتيجية عن الوطن الأم أو حتى الاعتراف بها مستقبلاً كدولة مستقلة.
وأمام هذه الحالة المعقدة من الاشتباك الصيني الأمريكي القائم دولياً تطفو إلى السطح علاقة الصين بروسيا وما يجري في أوكرانيا، ومطالبات واشنطن المتكررة عدم إقدام الصين على دعم الرئيس فلاديمير بوتين للتنصل من العقوبات الاقتصادية الضخمة، والتي فرضها الغرب على موسكو بعد الحرب الأوكرانية التي انطلقت قبل عام ونصف تقريباً.
ولأن للصين رصيدٌ لا يستهان به من العلاقات المتنوعة مع دول مؤثرة في المشهد الدولي، لا سيما دول منطقة الخليج العربي، فإن أمريكا سارعت في شهر مارس الماضي للترحيب -و لو على مضض- بالمصالحة السعودية الإيرانية برعاية من بكين، وشددت وقتها على ضرورة تجنب الوقوع في مستنقع النزاعات التي لا طائل منها.
وخلاصة القول في ذلك، أن أمريكا اليوم تفعل الشيء ونقيضه، وعلاقتها المتوترة مع الصين مثال جديد قديم على فشل إدارة الرئيس بايدن في ملفات خارجية حساسة، وهذا الأمر يتعلق داخل أمريكا بحمى السباق الرئاسي المبكر على دخول المكتب البيضاوي مجدداً للرئيس بايدن أو رئيس جمهوري جديد قد يكون دونالد ترامب أو غيره من المنافسين له على الحصول على ورقة ترشيح الحزب الجمهوري التواق للعودة إلى سدة الرئاسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة