أسبوع إماراتي حافل بالأحداث المتسارعة، أدركنا خلالها سر نجاح نموذج الإمارات المتكامل، بخطواته الفاعلة، بمختلف أشكال الدبلوماسية، ليصبح نموذجا مثاليًا، لم استطاع تحقيقه من نتائج واضحة كالشمس.
في أيام معدودة يتوج نادي مانشستر سيتي ببطولة القارة الأوروبية، وتحتضن أبوظبي اجتماعا بين إيران والمجموعة الأوروبية، ويصدر مجلس الأمن قرار (2686)، ويصل رئيس دولة الامارات، الشيخ محمد بن زايد إلى إسطنبول وبلغراد ثم منتدى سان بطرسبرغ، لتقدم الإمارات نموذجا عالميا في التقدم والتنمية والتأثير، بات جديرا بالدراسة والاقتداء.
تمثل الدبلوماسية الرياضية أحد مكونات القوة الناعمة، واستطاع النموذج الإماراتي تغيير وضعية مانشستر سيتي، من نادٍ مغمور إلى تربع القمة الأوروبية، في مدة قياسية لم تتجاوز 15 عاما، في تجربة استثمارية رائدة، استطاعت الاستثمار في الموارد والعناصر البشرية والإدارية ومجتمع مدينة مانشستر الإنجليزية، وتوجت بفوز مميز في إسطنبول، يؤكد أن الإدارة المتميزة تستطيع نقل فريق لقائمة الأندية الأبرز عالميا.
استباقية الإمارات خلال العاميين الماضيين، بتبنيها سياسات خارجية على مبدأ تصفير المشكلات، أدت لتحولات إيجابية في المنطقة، لاسيما: الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتحسن العلاقات مع إيران وتركيا، ومؤخرا إعادة التمثيل الدبلوماسي مع قطر، ما يصب في صالح الاستقرار ومشاريع التنمية الاقتصادية، وهي سياسة جاذبة لكونها منفتحة وشفافة، ولو كانت مع الدول التي تتقاطع معها خلافات حول مسائل محددة، فالنقاط الخلافية ممكن عزلها، لفتح الطريق أمام المصالح المشتركة، والمنطقة في أمس الحاجة لسياسة حديثة، تناسب التحديات الراهنة.
وعندما تستضيف أبوظبي مباحثات أوروبية-إيرانية، تتكشف لنا أحد ثمرات منهج تصفير المشكلات، ما يعكس حضور الدبلوماسية الإماراتية لتذليل التحديات بين طهران والغرب، بشأن برنامج إيران النووي وملف المعتقلين الغربيين، ما يضع مخاوف دول الخليج الأمنية ضمن المفاوضات، كأحد الدروس المستفادة من الاتفاق النووي للعام 2015.
وضمن إطار الدبلوماسية العامة، نجحت الإمارات بالشراكة مع بريطانيا، بصياغة قرار مجلس الأمن (2686)، حول "التسامح والسلام والأمن الدوليين"، في سابقة تاريخية، كونه أول قرار أممي يعترف بأن الكراهية والتمييز العنصري، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع النزاعات والتوترات، وليس بغريب على الإمارات عملها الإنساني الصادق، وقد أصدرت مرسوما بشأن "مكافحة التمييز والكراهية" في 2015، واستحدثت وزارة التسامح، وأعلنت عام 2019 "عام التسامح"، وقامت بإنشاء عدة كيانات مثل: مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى أبوظبي للسلم، وجائزة زايد للأخوة الإنسانية، وغيرها من الخطوات التي تحولت من استراتيجية وطنية مع الوقت إلى سلوك مجتمعي، انعكست على الجهود الإماراتية في المستوى الدولي، فلم تعد أساليب العمل التقليدية مجدية لمعالجة الأزمات الطارئة، إن لم تضع حلولا نوعية، لجعلها عالمية التوجه.
وبرزت سياسة تنوع الشركاء وبناء العلاقات المتوازنة، عند وصول الشيخ محمد بن زايد إلى بلغراد، واستقباله بحفاوة شديدة، في ظل توتر شديد بين صربيا وكوسوفو، ثم لقائه بالرئيس "فلاديمير بوتين" على هامش منتدى سان بطرسبرغ، والزيارتان تعكس قدرة الإمارات على المساهمة في حل النزاعات عبر الحوار، ومعالجة القضايا الإنسانية، وقد تجد الوساطة الإماراتية طريقها إلى التأثير، لسببين رئيسيين: المصداقية التي تتميز بها الإمارات وقيادتها لدى قادة أطراف الصراع، ولكون السياسة الإماراتية لا تنتمي لمحور أو تحالف على الصعيدين الإقليمي والدولي، فجسور التعاون ممدودة للجميع، وهو ما يجعل الإمارات على مسافة واحدة من الشرق والغرب.
جاذبية النموذج الإماراتي تكمن في قدرته على صناعة التأثير برغم التحديات العالمية والإقليمية، لأنه نتاج عمل دؤوب منذ تأسيس الاتحاد، وعمل جماعي يفكر خارج الصندوق، ورؤية خططت لتنويع مصادر الموارد والطاقة، وقررت الاستثمار في المعرفة، حتى وصلت الإمارات للمريخ، واليوم نشاهد العواصم العربية من محطة الفضاء الدولية، من خلال عدسة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي.
لقد صنعت الامارات طريقا يتميز بقدرته على حل أصعب العقد، عبر تقديم فرص التنمية، وجعل أدوات الاقتصاد رافعة تزيل الخلافات، لتجذب دول الإقليم والعالم للانضمام لموجة التنمية، في قصة نجاح لدولة، تمكنت خلال نصف قرن ونيف من الوصول لمصاف الدول المؤثرة عالميا، وخلال أسبوع من استعراض نموذجها الفريد بشكل مبهر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة