تحل علينا بعد أيام قليلة الذكرى العاشرة لثورة شعب مصر العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013، التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية لمصر، إلى غير رجعة.
وعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات التي قلبت بصورة غير مسبوقة أحوال الجماعة وحولتها إلى أشلاء متناثرة في مصر وحول العالم، فلا تزال الجماعة تروج نفس الأكاذيب التي حاولت بها الحيلولة حينها دون قيام شعب مصر بثورته التاريخية.
ولم نجد جديداً يذكر حول هذه الأكاذيب المتواصلة من وقتها، سوى إعادة نشر فقرات كبيرة وبتصرف قليل، من مقال نشره الكاتب في جريدة المصري اليوم بتاريخ 23 يونيو 2013، أي قبل أسبوع واحد من الثورة الشعبية، بعنوان: "أكاذيب خمس حول الثلاثين من يونيو"، ولعله من حيث مبناه ومعناه لا يزال صالحاً بعد عقد من الزمان على هذه الثورة المجيدة.
أولى هذه الأكاذيب هي القول إن الانقسام القائم اليوم في مصر هو بين معسكر إسلامي وآخر - بحسب تعبيرات عاصم عبد الماجد ومحمد البلتاجي – "شيوعي" "قبطي" "عسكري"، الأول يدافع عن الدين الحنيف والحكم الحالي الذي يمثله برئاسة الدكتور محمد مرسي، والثاني يسعى لهدمه وإقامة حكم معادٍ له ولتعاليمه ومقاصده العليا.
والحقيقة أنه لا شيء في مطالب أو وثيقة "تمرد" والمعارضة المصرية الداعية ليوم الثلاثين من يونيو/حزيران يشير من قريب أو بعيد إلى أي معنى ديني من هذه التي يروّج الإخوان وحلفاؤهم لها، وليس هناك فيها من مطلب سوى الانتخابات الرئاسية المبكرة التي لا صلة لها لا بالإسلام ولا بأي دين آخر سماوي ولا حتى وضعي.
والحقيقة أيضاً أنه لا شيء يدل في الواقع العملي على أن الرئيس مرسي وحكمه قد وضعا أي تشريع أو اتخاذ أي قرار يمكن وصفه بأنه إسلامي حتى تصح الكذبة القائلة بأن الانقسام هو حول تطبيق الإسلام وزعم البعض أنهم يدافعون عنه.
والحقيقة الثالثة هي أن المنضمين للدعوة ليوم الثلاثين من يونيو/حزيران يشملون عديداً من الأحزاب والقوى ذات المرجعية والتاريخ الإسلاميين.
وثانية هذه الأكاذيب القول بأن الواقفين وراء يوم التمرد يسعون إلى قلب نظام الحكم وإدخال البلاد إلى فوضى، بالمخالفة لقواعد الديمقراطية، التي تعطي الرئيس شرعية لا تهتز. والحقيقة أنه لا شيء في مطالب التمرد سوى الانتخابات الرئاسية المبكرة، وهي لا تعني في جوهرها سوى العودة لنفس صندوق الانتخاب الذي أتى الرئيس مرسي عبره، فضلاً عن أن مطلب الانتخابات المبكرة هو جزء من الممارسة الديمقراطية المجربة والمستقرة في العديد من دول العالم.
ولا تكتمل هذه الكذبة دون الثالثة التالية لها في حملة الترويج الإخوانية، وهي أن القول بأنه على المعارضة - طالما أن لديها هذا التأييد الشعبي الواسع الذي تزعمه - أن تتوجه فوراً إلى انتخابات مجلس النواب لتحصل على الأغلبية فيه، وعبرها يمكن لها تشكيل الحكومة وتغيير الدستور ومحاكمة رئيس الجمهورية إذا شاءت.
وتحمل هذه الكذبة مغالطتين على الأقل: الأولى أن هذه الانتخابات البرلمانية يمكن أن تتم بحرية ونزاهة في ظل حكومة تابعة للإخوان وحركة أخونة واسعة للمحافظين والقيادات العليا للدولة، وقبلها قانون لها قامت أغلبية الجماعة وحلفاؤها في مجلس الشورى بوضعه. والثانية أن الدستور الحالي لا يمكّن المعارضة سوى من تشكيل الحكومة إذا ما حصلت على أغلبية بسيطة، أما تغيير الدستور ومحاكمة الرئيس فيستلزمان الحصول على ثلثي أعضاء مجلسي البرلمان، وهو ما يستحيل على أي قوة سياسية في البلاد.
أما الكذبة الرابعة فهي مزدوجة وتقوم على مفهوم واحد هو العنف. الشق الأول منها هو الترويج لأن الاحتجاجات القادمة للرافضين لاستمرار حكم الرئيس والإخوان ستكون عنيفة، وسيتم استخدام الوسائل غير المشروعة فيها والاعتداء على مرافق الدولة والممتلكات الخاصة، وهو ما يهدد البلاد بفوضى واسعة وعنف متبادل بين الأطراف كافة.
والحقيقة أن هذا الشق الأول من الكذبة ينفيه تماماً كل تصريحات وتحركات الداعين ليوم الثلاثين، التي تؤكد كلها على التزام السلمية ورفض أي تورط في العنف، بينما تؤكد تصريحات حلفاء الإخوان وتهديداتهم أن الاحتمال الوحيد للعنف سوف يأتي من جانبهم. وهنا يظهر الشق الثاني للكذبة، وهو السعي لتخويف وترويع المصريين عبر هذه التصريحات والتهديدات لمنعهم من النزول يوم الثلاثين، تحسباً لما يمكن أن تقوم به قوى الإخوان وحلفاؤهم المدربون، كما يشيع البعض على ممارسة العنف.
والحقيقة أنه لا أحد كان مدرباً وقادراً على مواجهة الحشود الجماهيرية بالعنف بقدر قوات الأمن المصرية في عهد الحكم السابق، وهو ما فشلت فيه أمام تدفقها وإصرارها على إسقاطه. فكيف تستطيع مجموعات أو جماعات مهما بلغ حجمها وتدريبها المزعوم أن تواجه شعباً أو جزءاً كبيراً منه يتدفق مصمماً على مطلبه، وما هي ردود فعله إذا ما أوصل الحمق وسوء الحسابات بعضاً منها إلى محاولة فض احتجاجاته السلمية بصورة عنيفة؟ الإجابة معروفة وربما لا يدرك البعض حتى الآن أبعادها الخطيرة، إذا ما حدث هذا لا قدر الله.
أما الكذبة الأخيرة التي تحمل تناقضات هائلة فهي القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد الحكم الحالي في مصر، وهي لن تتركه ينهار تحت أي ضغوط مهما بلغ قدرها.
والحقيقة أن الجزء الأول من الكذبة قد يكون صحيحاً، أما الجزء الثاني من الكذبة فلا يوجد سند واحد من التاريخ العالمي ولا التاريخ المصري يؤكده، وآخره الموقف الأمريكي أثناء ثورة يناير/كانون الثاني العظيمة، وكيف تحول من مساندة نظام صديقه وحليفه مبارك إلى التخلي عنه والمطالبة برحيله، فور التأكد من الإصرار الشعبي الكبير على إسقاطه.
الولايات المتحدة هي واضعة فلسفة البراغماتية وعلومها وتطبيقاتها، أي اتخاذ المواقف العملية بحسب المصلحة، وسياساتها الخارجية منذ سبعين عاماً على الأقل مثال يدرس في الالتزام بها، وهي اليوم في انتظار الثلاثين من يونيو/حزيران لكي ترى ما سوف يقوم به المصريون لكي تتخذ موقفها الأخير والمعلن بحسب اتجاه الربح والمصلحة.
انتهى الاقتباس، ولا تزال بقايا الجماعة وأشلاؤها تروج نفس الأكاذيب في إعلامها، ويتغذى عليها من تبقى من عضويتها وقياداتها، في انتظار الوصول إلى "السراب" المستحيل الذي يلاحق خطواتها المتعثرة المضطربة، وهي في صحراء "التيه" تحيط بها رمال الفشل الواسعة التي توشك على ابتلاعها نهائياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة