في ترجمة عملية للتوجه الإماراتي التعاوني والمنفتح على العالم، والدبلوماسية الإماراتية المتوازنة تجاه كل القوى الكبرى في العالم.
قام، مؤخراً، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بزيارة إلى روسيا الاتحادية التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتمثل المباحثات التي تضمنتها الزيارة بين الجانبين الإماراتي والروسي، دليلاً عملياً جديداً على ارتقاء السياسة الخارجية الإماراتية آفاقا جديدة من الشراكات ارتكازاً على ما تحققه من تقدم إيجابي سواءً في العلاقات مع مختلف الدول الإقليمية والعالمية بما فيها القوى الكبرى في العالم أو بالمواقف الإماراتية تجاه القضايا والملفات المهمة والمطروحة على الساحتين الشرق أوسطية والعالمية.
فإضافة إلى الأهمية التي باتت تلعبها "دبلوماسية القمة" في تطوير وتعزيز تعاون الإمارات مع روسيا وغيرها من الدول التي تحرص على توثيق الترابط معها وتوسيع مجالاته، تحمل هذه الزيارة بالذات معاني وأبعاداً أعمق بالنسبة للعلاقات الثنائية، وتؤكد بشكل لا مجال للشك فيه على دخول علاقات الإمارات وروسيا مرحلة جديدة أكثر تطوراً وأشد موثوقية.
فقد جاءت هذه الزيارة لتكشف عن توجه جديد مهم ومبشر بمستقبل العلاقات وهذا الجديد هو المضي في توطيد الروابط التنموية مع توسيع نطاقها لتتجاوز الإطار الثنائي وتتسع لتشمل دولاً أخرى في إقليم الشرق الأوسط، وهو ما يعني في دلالاته: تعميم الخير والنماء والمنافع المتبادلة والمشتركة على أطراف أخرى تنضم إلى الدولتين في التعاون والتفاهمات والتوجهات والمشروعات التنموية والاقتصادية.
ففي الحوار القصير الذي دار بين الزعيمين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس بوتين، ما إن ذكر الرئيس الروسي أن موسكو بصدد إقامة مشروع صناعي كبير في مصر، حتى وبادر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى عرض توسيع نطاق المشروع بمشاركة إماراتية ليصير ثلاثياً وتزداد بالتبعية فرص نجاحه ومردوداته الإيجابية على الدول الثلاث. وجاء تجاوب بوتين الفوري مع المبادرة وعرضها على مصر، ليؤكد سرعة بديهة الشيخ محمد وإدراكه الواعي والاستباقي للفرص التي يمكن تطويرها والإيجابيات التي يمكن تعظيمها من مثل تلك المشروعات بالمشاركة الجماعية فيها.
وهناك جديد آخر مهم على صعيد العلاقات الإماراتية الروسية، لكن من شأنه الانعكاس أيضاً على مجمل التفاعلات الإقليمية وكذلك العالمية. فالمشاركة الإماراتية رفيعة المستوى في منتدى سان بطرسبرغ، تشير بوضوح إلى أن العلاقات بصدد اختراق الأسقف السياسية والاقتصادية والتنموية، لتنتقل إلى المستوى الفكري والتخطيطي الذي يتضمن مشاورات ومباحثات تجتمع فيها الدوائر الرسمية والمسؤولون أصحاب القرار، إلى جانب المفكرين والمحللين السياسيين والباحثين والخبراء في المستقبليات والتخطيط الاستراتيجي.
يبقى أنه غني عن التأكيد ما لهذه الفعاليات والأنشطة السياسية من أهمية ودور فعال وأحياناً جوهري في توجيه دفة السياسات بل والتأثير في قرارات مصيرية بل ومفصلية في تاريخ الأمم والعالم ككل. ولا شك في أن تفاعل المستوى البحثي والفكري مع المستوى الرسمي والتنفيذي، هو قمة التكامل بين مكونات وعناصر اتخاذ القرار ووضع السياسات على أي مستوى مؤسسي، من المحليات والوحدات الصغيرة في أي دولة، وحتى الاستراتيجيات الكونية وسياسات القوى الكبرى على مستوى العالم.
وبذلك تكون زيارة رئيس الدولة إلى روسيا قد فتحت باباً جديداً للتعاون التنموي متعدد المستويات والأطراف الذي يجمع شركاء من الإقليم وقوى عالمية نفس في الوقت.
ومن شأن النجاح المتوقع لتلك المبادرة الإماراتية التي أطلقها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، أن يجعلها نموذجاً قابلاً للتكرار يدشن نمطاً جديداً للتعاون المشترك ومنعطفاً نحو شراكات ثلاثية وجماعية أخرى. كما أكدت المشاركة الإماراتية على مستوى القمة في منتدى سان بطرسبرغ دور ومكانة الإمارات كدولة صاحبة كلمة في الشؤون الإقليمية والعالمية، ليس في الإطار الرسمي الحكومي فقط وإنما أيضاً بالتفاعل مع دوائر التحليل والفكر والتخطيط الاستراتيجي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة