كيف يمكن أن تؤثر أهم تحديات الإستراتيجية الأميركية على سلوك المنطقة الخليجية؟.
قبل أيام أصدر الرئيس ترامب إستراتيجيته للأمن القومي الأميركي، وكان من الطبيعي أن تتقاطع محاور الإستراتيجية الأميركية الجديدة مع مسارات المنطقة العربية والخليجية؛ بل والعالم كله، كشفت هذه الإستراتيجة عودة حادة لمنهج الحرب الباردة، ولكن تحت عنوان مختلف أطلق عليه الرئيس ترامب "عصر جديد من التنافس"، وذلك وفق أطر فرضتها التغيرات العالمية، فإستراتيجية الرئيس ترامب تحتوي الإشارة إلى أنواع جديدة من التهديدات، ومن بينها الهجمات الإلكترونية والكهرومغناطيسية، وهذا ما سوف يجعل الفضاء الخارجي "مجالاً للمنافسة".
ولعل السؤال الأهم هنا يقول: كيف يمكن أن تؤثر أهم تحديات الإستراتيجية الأميركية على سلوك المنطقة الخليجية، وخصوصاً تلك الدول المارقة التي تقع في المنطقة، وعلى أهم تحديات أمنها القومي؟. الإستراتيجية الأميركية حددت ثلاثة تحديات رئيسة "طموحات روسيا والصين، والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة"، هذه التحديات من المؤكد أنها ستقود سياسة الدولة الأكبر والأقوى خلال فترة الرئيس ترامب، الذي كما يبدو أنه يهتم كثيراً لحل المشكلات الدولية بمنهجية توازي السرعة التقنية في حل المشكلات.
كيف يمكن أن تؤثر أهم تحديات الإستراتيجية الأميركية على سلوك المنطقة الخليجية، وخصوصاً تلك الدول المارقة التي تقع في المنطقة، وعلى أهم تحديات أمنها القومي؟
ما يهم الدول الخليجية، وبشكل مباشر في هذه الإستراتيجية، هما التحدي الثاني الذي يطرح اسم إيران مباشرة، والثالث الذي يشير بوضوح إلى الجماعات الإرهابية، في الحقيقة إن التاريخ يخبرنا دائماً أن الخليج حليف إستراتيجي لأميركا في هذه المنطقة الحساسة في العالم، وهذا فرضه التاريخ والمصالح المشتركة، وهنا يبرز السؤال حول بناء قيم الأمن القومي الخليجي وفق معايير تستثمر هذه المرحلة الأميركية، وأهمية العمل بشكل واضح مع الشركاء من أجل مواجهة تلك التحديات ذات العلاقة المباشرة بالمنطقة الخليجية.
قد يشير هذا الاتجاه إلى التنبية إلى أن دول الخليج لديها أزمة سياسية مع قطر، وهي حليف سياسي مع إيران الدولة المارقة في المنطقة، هذه الفرضية صحيحة ولكن الأهم من ذلك كله أن دول الخليج تستند وتمارس دورها العالمي والإقليمي عبر الاتكاء على الدولة الأكبر في المنطقة الخليجية، فالرقم الخليجي من حيث عدد الدول لايمثل دائماً شرطاً أساسياً في تشكل مسار التحالف الخليجي، لذلك فإن ثلاث أو أربع أو خمس دول من الدول الخليجية بشرط أن تكون السعودية بينها قادرة على العمل سياسياً بشكل طبيعي في كل قضايا المنطقة.
الإستراتيجية الأميركية، كما يبدو، تتوقع أن مستقبل المنطقة وفقاً للتحولات الجيوسياسية والعسكرية والتقنية سوف تكون قادرة على جعل المستقبل في المنطقة يتحرك بشكل أسرع من المتوقع، وهذه بالتأكيد دعوة مباشرة للدول الخليجية أن تفكر بشكل جديد حول قيم أمنها القومي في مرحلة مابعد تاريخ الخامس من يونيو من العام 2017، حيث بدايات الأزمة الخليجة، وهذه الرسالة تخص بشكل محدد الدول الأهم في الخليج -السعودية والإمارات والبحرين- والتي تمثل الخليج حالياً وتفكر بطريقة سياسية متجانسة مع التوجهات العالمية في دعم السلام والاستقرار في المنطقة.
الأمن القومي الخليجي أمام منعطف مهم للتفكير بجدية، حيث أصبح إيقاف الدولة المارقة إيران مهمة دولية للحد من ممارسة تأثيرها "الجيوستراتيجي" المتزايد في المنطقة، فخلال العقود الماضية تدخلت إيران بل وبنت صراعات مباشرة مع معظم الدول الخليجية، ومن الطبيعي أن تنظر الدول الخليجية المؤثرة بشكل دقيق للموقف الأميركي من الدولة المارقة إيران، وتعمل على ترسيخ قيم أمنها الوطني في ذات الاتجاه.
وصفت الإستراتيجية الأميركية النظام الإيراني بأنه "النظام الدكتاتوري الذي يزعزع استقرار المنطقة ويدعو علنا إلى تدمير الولايات المتحدة، ويدعم جماعات إرهابية ويموّل الإرهاب في أنحاء العالم، فضلاً عن أنه يتعامل بالقسوة والعنف مع شعبه"، سؤال مهم هنا حول طرح إستراتيجية واضحة ودقيقة من الدول الخليجية تتبنى قيماً واضحة، فالمهددات الإيرانية حقيقية ومؤثرة وبحاجة إلى نمط من التعامل الخاص بهدف ردع الطموحات الإيرانية في المنطقة؛ وإعادة السلوك الإيران إلى مسار يمكن قبوله إقليمياً من الدول التي تتشارك مع إيران الإطار الجغرافي نفسه.
الاستقرار في المنطقة الخليجية تحديداً مهم أن يدفع وبأي ثمن، فالعالم يسوده اليوم الصراع الإلكتروني والكهرومغناطيسي الذي جعل من الفضاء مسرحاً للحروب الجديدة، ولذلك سوف يتم التحرك للمستقبل بسرعة غير متوقعة، وسوف تتعرف الدول على صراعات تقنية خطيرة لن تتطلب إطلاق رصاصة واحدة؛ بل تتطلب مهام "سيبرانية" تجلس خلف المقاعد، وهنا أكرر نفس النداء في عنوان هذا المقال " الأمن القومي الخليجي: المستقبل يتحرك أسرع من المتوقع..!.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة