كواليس قبل انقلاب النيجر تكشف مفاجآت.. لماذا اتخذت أمريكا خطوة معاكسة؟
رغم أنها دانت محاولة الاستيلاء على السلطة في النيجر، إلا أن أمريكا لم تصفها حتّى الآن على أنها "انقلاب"، بل اتخذت خطوة قد تفسر على أنها تتخلى عن حليفها الرئيس المخلوع محمد بازوم.
فالولايات المتحدة الأمريكية لم تشر رسميا إلى الأحداث في النيجر على أنها انقلاب؛ لأن القيام بذلك قد يجبرها على قطع مساعداتها الاقتصادية والأمنية عن البلاد التي يُنظر إليها على أنها حليف حيوي للغرب في منطقة الساحل المضطربة.
ورغم ذلك، إلا أنها أعربت عن استيائها من إعلان المجلس العسكري في النيجر عزمه محاكمة الرئيس المخلوع محمد بازوم بتهمة الخيانة العظمى، معتبرة إياها خطوة لا داعي لها وغير مبرّرة بالكامل، "ولن تساهم صراحة في حلّ سلمي لهذه الأزمة".
خطوة معاكسة
استياء لم ير النور بخطوات فعلية؛ بل إن الإدارة الأمريكية اتخذت خطوة في الاتجاه المعاكس؛ فوزارة الخارجية الأمريكية قالت يوم الأربعاء إن السفيرة الأمريكية الجديدة إلى النيجر كاثلين فيتزجيبون، ستسافر إلى نيامي، لكن الوزارة أحجمت عن تحديد الموعد، الذي ستتوجه فيه إلى النيجر، بعد الاتقلاب الذي وقع الشهر الماضي.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتل للصحفيين إن سفر فيتزجيبون إشارة على استمرار مشاركة واشنطن في الموقف.
وأضاف أنه لا توجد خطط لتقديم فيتزجيبون أوراق اعتمادها إلى قادة الانقلاب، موضحا أن ذلك ليس ضروريا بالنسبة للعمل في السفارة.
وكان سفير النيجر لدى واشنطن كياري ليمان-تينغيري، رد على سؤال بشأن الدعم المقدّم من الولايات المتحدة التي دانت محاولة الاستيلاء على السلطة من دون أن تتحدّث حتّى الآن عن "انقلاب"، قائلا: "في اليوم الذي يُستخدَم فيه مصطلح انقلاب، كلّ شيء سيختفي".
لم الموقف الأمريكي ملتبس؟
العودة إلى ساعات ما قبل الانقلاب، تكون الإجابة؛ فشبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية، قالت إنه قبل ساعات من تلك الأحداث، رسم الدبلوماسيون الأمريكيون صورة لحكومة ديمقراطية كانت، رغم عيوبها، أكثر استقرارًا من غيرها في المنطقة.
فقبل يوم من انقلاب النيجر، كان مسؤول أمريكي يتحدث لشبكة "إن بي سي نيوز" في 25 يوليو/تموز الماضي، عن النيجر، قائلا: "هناك تصور عام للفساد العام، لكنه ليس سيئًا مثل البلدان الأخرى في المنطقة".
كانت النيجر هي الدولة السادسة في منطقة الساحل المترامية الأطراف في إفريقيا، والتي تمتد عبر القارة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، التي شهدت انقلابًا منذ عام 2020، كما أنها أحد أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، الذي تطمح إليه دول كثيرة.
لكن رد الولايات المتحدة على الانقلاب يثير تساؤلات حول مدى فعالية الغرب في مواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة تخاطر بأن تصبح منطقة دول فاشلة.
وعلى الرغم من انتشار شائعات عن انقلاب في النيجر لبعض الوقت، فقد صدم المسؤولون الأمريكيون عندما حدث ذلك لأن الولايات المتحدة لم تمنح الأولوية لأفريقيا لسنوات وليس لديها ما يكفي من الأفراد هناك، حسبما قال أكثر من عشرة مسؤولين دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين حاليين وسابقين، أكدوا أنه لم يكن للولايات المتحدة حتى سفير في النيجر يوم الانقلاب.
وبمجرد أن بدأ الانقلاب في الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، استغرق الأمر من المسؤولين الأمريكيين أيامًا لقبول أنه بدون تدخل عسكري دولي، لن يتم التراجع عنه.
وردا على سؤال حول أسباب تفاجؤ أمريكا بالانقلاب، لم يرد مسؤولو مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض على طلب "إن بي سي نيوز" للتعليق، إلا أن الشبكة الأمريكية قالت إنه في البداية، أصر المسؤولون الدبلوماسيون والعسكريون الأمريكيون على أن السبب هو نزاع شخصي بين الرئيس ورئيس حرسه الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني، وأنه يمكن حله بسرعة.
ما بعد الانقلاب
وبعد 48 ساعة من الانقلاب، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: "في اليوم الأول، أخبرنا جميع اتصالاتنا أن لا أحد يدعم هذا. ثم في اليوم الثاني بدا الأمر وكأنه يتضخم قليلاً، لكن أولئك الذين تحدثنا إليهم قالوا إنهم كانوا يتصرفون فقط للتأكد من أن الرئيس وعائلته لم يصابوا بأذى وأنه لم يكن هناك صراع بين الجيش أو مع المدنيين".
ويعتقد المسؤولون العسكريون الأمريكيون أن قائد القوات الخاصة النيجرية، الجنرال موسى سالو بارمو، حليفهم المقرب، كان يحاول الحفاظ على السلام. وأشاروا إلى أنه في مقطع فيديو يظهر قادة الانقلاب في اليوم الأول، كان بارمو في مؤخرة المجموعة ورأسه لأسفل ووجهه مخفي في الغالب.
وبعد أقل من أسبوعين، التقى بارمو بوفد أمريكي في نيامي، بقيادة نائب وزير الخارجية بالنيابة فيكتوريا نولاند، وأعرب عن دعمه للانقلاب، قائلا في رسالة: إذا حاولت أي قوة عسكرية خارجية التدخل في النيجر، فإن زعماء الانقلاب سيقتلون الرئيس بازوم".
وقال مسؤول عسكري أمريكي عمل مع بارمو في السنوات الأخيرة: "كان ذلك الرد مخيبا للآمال (..) كنا نتمسك بالأمل معه".
ولم يقتصر الأمر على عمل بارمو مع كبار القادة العسكريين الأمريكيين لسنوات، لكنه تلقى تدريبًا أيضًا من قبل الجيش الأمريكي وفي جامعة الدفاع الوطني المرموقة في العاصمة واشنطن.
في الأسبوع الماضي، رفض بارمو إطلاق سراح بازوم أمام المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يثقون به، وأصر على أن قادة الانقلاب يحظون بالدعم الشعبي من الشعب النيجري.
ولم يحاول أي فصيل في الجيش مواجهة المجلس العسكري، مما جعل من الصعب على الحكومات الغربية الرد. كما لم تكن هناك جماعة معارضة منظمة وواضحة مستعدة لمواجهة قادة الانقلاب، بحسب "إن بي سي نيوز" الأمريكية.
بدوره، قال مايكل شوركين، الخبير في شؤون غرب أفريقيا الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي، ويرأس شركة شوربروس للاستراتيجيات العالمية، إن منطقة الساحل تنهار تحت ضغط حركات التمرد، مضيفًا: "لا توجد إجابات سهلة".
كمين لداعش
ودربت القوات الأمريكية القوات النيجرية لسنوات كحلفاء في الحرب ضد الجماعات الإرهابية. وفي عام 2013، وافقت الولايات المتحدة والنيجر على السماح بنشر القوات الأمريكية في البلاد لدعم جهود مكافحة الإرهاب في دور غير قتالي.
لكن الدور العسكري الأمريكي هناك تغير بعد هجوم مميت في أكتوبر/تشرين الأول 2017. وأثناء البحث عن عامل الإغاثة الأمريكي المختطف جيف وودكي، تعرضت القوات الأمريكية والنيجرية لكمين من قبل مجموعة من مقاتلي "داعش" خارج قرية تونغو تونغو في النيجر. ولقي أربعة جنود أمريكيين وأربعة جنود نيجريين مصرعهم، وأصيب عدد أكبر بجروح. (أطلق سراح وودكي في مارس/آذار بعد أن أمضى ست سنوات في الأسر).
السر في الهجوم الأكثر دموية
كان هذا الهجوم الأكثر دموية ضد القوات الأمريكية في أفريقيا منذ هجوم "بلاك هوك داون" في الصومال عام 1993، وأثار جدلاً حول الوجود الأمريكي في النيجر. وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون إنه منذ ذلك الهجوم، تغيرت قواعد القوات في البؤر الاستيطانية في النيجر بشكل كبير.
وقال ضابط عسكري تم نشره مؤخرًا في النيجر: "لا يزال حادث تونغو تونغو يؤثر على القادة العسكريين في المنطقة. لم يُسمح لنا بالسفر أكثر من 15 كيلومترًا من القاعدة في الأشهر القليلة الأولى، بسبب مخاوف بشأن السلامة".
الضابط أضاف: "كنا نحاول معرفة كيفية جعل المهمة تعمل، لكننا كنا نشاهد ونتحدث إلى نفس الأشخاص، ونتحدث إلى نفس القبائل، طوال الوقت". كانت هذه القيود تعني أن لدى الأمريكيين إحساس محدود بما كان يحدث من حولهم.
وقال مسؤول عسكري أمريكي ثان في المنطقة: "كان لتونغو تونغو تأثير مخيف على كيفية عملنا في النيجر، ولا يزال هذا الأمر في ذهن القادة العسكريين في كل مرة يغادرون القاعدة".
وأضاف المسؤول: "لسنا قادرين على المشاركة كما نرغب، لكن هذا أيضًا لأننا لا نملك الموارد التي نحتاجها. ليس لدينا ما يكفي، وبالتالي فإن أيدينا مقيدة".
وقال مسؤول دفاعي ثالث: "استراتيجية الدفاع الوطني للولايات المتحدة بأكملها تتضمن فقرة واحدة بالضبط حول أفريقيا. هذا يخبرك إلى أي مدى نعطي الأولوية للقارة".
فشل دبلوماسي
وقال مسؤول أمني قومي أمريكي إن إدارة بايدن أولت المنطقة اهتمامًا أكبر من الإدارات السابقة، بما في ذلك كونها أول من أصدر استراتيجية لغرب أفريقيا، وأرسل العديد من كبار القادة إلى ذلك الجزء من القارة، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكين.
لكن إدارة بايدن لم ترشح سفيرًا إلى النيجر إلا بعد 18 شهرًا من توليها منصبه، ثم تم تعليق الترشيح من قبل السيناتور راند بول. إلا أن المرشحة للمنصب كاثلين فيتزجيبون، حصلت أخيرًا على موافقة الكونغرس في 27 يوليو/تموز، أي في اليوم التالي لبدء الانقلاب.
قال الخبراء والمسؤولون السابقون إن عدم قدرة إدارة بايدن على توقع الأحداث في النيجر أو التأثير عليها يعكس كيف كانت أفريقيا في كثير من الأحيان ذات أولوية أقل مقارنة بالمناطق والأزمات الأخرى، خاصة عند مقارنتها بتركيز واشنطن على أوكرانيا والصين.
وقال شوركين: "الناس في أفريقيا يقولون لي منذ عامين، إن انقلابًا وشيكًا في النيجر. لكن في نهاية المطاف، لم تكن تلك الأولوية القصوى بالنسبة لنا، أو حتى للفرنسيين".
وقال الخبراء إنه حتى لو كان لدى واشنطن إحساس أوضح بنقاط ضعف بازوم، فليس من الواضح ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أو فرنسا تجنب الانقلاب أو دعم الرئيس في الوقت المناسب - دون القيام بعمل عسكري محفوف بالمخاطر.