رسائل للداخل والخارج.. "العين الإخبارية" تفتش في أسباب محاكمة رئيس النيجر
بضغوط متزايدة وتهديدات، حاولت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، قطع الطريق أمام الانقلابيين، ودفعهم نحو التراجع خطوة للخلف، بإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، وإعادته للحكم.
إلا أن محاولاتها التي بدأت بدراسة سيناريو التدخل عسكريًا، تراجعت إلى تفضيلها الحوار طريقًا لحل الأزمة، ثم أرادت حفظ ماء وجهها، فلوحت بنشر قوة الاحتياط، قوبلت بتصعيد من المجلس العسكري في النيجر، وصل حد إعلانه تقديم الرئيس المعزول محمد بازوم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.
وكانت "إيكواس" قالت يوم الإثنين إنها فوجئت بمسعى المجلس العسكري في النيجر لتوجيه اتهامات بالخيانة العظمى للرئيس المعزول محمد بازوم، مؤكدة أن هذه الخطوة "شكل من أشكال الاستفزاز من جانب قادة الانقلاب في النيجر وتتعارض مع ما تردد عن استعدادهم للتوصل إلى حل سلمي للأزمة الحالية".
إلا أن خطوة "إيكواس"، أرادت من خلالها إمساك زمام المبادرة، وأخذ طريق التفاوض، بعيدًا عن عودة بازوم إلى الحكم، ليقتصر على إطلاق سراحه وتأمينه وأسرته، في صفقة إن تمت، قد تؤدي إلى الاعتراف بالسلطات الجديدة في النيجر، وإزاحة وصف "الانقلاب" عن المجلس العسكري الجديد.
ورغم أن المجلس العسكري الجديد اتخذ خطوات فعلية على طريق ترسيخ الأمر الواقع؛ بتعيين رئيس وزراء ثم تشكيل حكومة، فإنه يفتقر إلى الاعتراف الدولي، وهو ما قد تجلبه له ورقة محاكمة بازوم.
فهل تنجح ورقة الضغط الجديدة؟
تقول مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتورة أماني الطويل، إن تقديم بازوم للمحاكمة هو محاولة من المجلس العسكري، لامتلاك أدوات ضغط، ضد "إيكواس" والتصعيد الدولي.
واعتبرت الطويل في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن تقديم بازوم للمحاكمة الذي يتزامن مع تهديده بالتحالف مع قوات فاغنر وروسيا، محاولة لتنويع كروت الضغط لدى المجلس العسكري؛ كون تهمة الخيانة، تحتاج إلى كثير من الإثباتات.
وأشارت الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية إلى أن المجلس العسكري، يحاول بتقديم بازوم للمحاكمة، مقايضة باريس وواشنطن على سلامته وأسرته، متكئًا على دعم إقليمي حصل عليه من مالي وبوركينا فاسو، وعلى الموقف الروسي الذي أفصح في الساعات القليلة الماضية عن رفضه القاطع التدخل العسكري الذي سيفضي – طبقاً لتقدير موسكو – إلى حرب أفريقية واسعة، بما ينطوي عليه ذلك التقدير من صيغ للتهديد وإمكانية للتدخل.
وبحسب الطويل، فإن المجلس العسكري الجديد، فعّل حاضنة شعبية له، مستغلا في ذلك مشاعر متراكمة من الكراهية ربما ضد باريس، التي يُحمّلها الشباب الأفريقي في غالبية دول الساحل مسؤولية فقرهم، رغم أن بلادهم غنية بموارد اقتصادية، يعتبرونها تسهم بشكل مباشر في رفاه المواطن الفرنسي.
قطع الطريق
في السياق نفسه، قال مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بنيامي الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن المجموعة الانقلابية في النيجر تحاول تقوية نفسها، بأوراق ضغط قوية تقاوم بها ضغوط منظمة إيكواس.
وقال عبد المهيمن، إن تقديم بازوم للمحاكمة يهدف إلى تحقيق هدفين؛ أولهما: ورقة ضغط قوية ضد تدخل إيكواس، فيما الهدف الثاني يتمثل في محاولة غلق الباب أمام بازوم، وقطع الطريق أمام أي عودة محتملة له للحياة السياسية، أو السلطة مرة أخرى.
ووافقت إيكواس على تفعيل "قوة الاحتياط" لديها تمهيداً لنشرها في النيجر لإعادة النظام الدستوري، من دون الكشف عن جدول زمني محدد للتدخل، لكنّها ألغت السبت اجتماعا طارئا حول الانقلاب الذي أطاح الرئيس محمد بازوم.
وأوضح مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بنيامي، أن المجلس العسكري يتخذ خطوات مفاجئة؛ وقرارات مضادة لتلك التي تتخذها "إيكواس"؛ ابتداء من تعيين رئيس وزراء قوي براغماتي من الناحية العملية، وبعدها تشكيل حكومة، في ثبات واضح مع الضغوط الدولية والإقليمية.
وأكد عبد المهيمن أن الانقلابيين مصممون على عدم التنازل، مشيرًا إلى أنهم يسيرون بشكل يبدو مخططًا ومدروسًا، مما سيجعل خطوة "إيكواس" في إرسال قوات للنيجر غير ناجحة إلى حد كبير.
وأشار الخبير النيجري إلى أن "إيكواس" ليست جاهزة لإرسال قوات لنيامي بشكل سريع، علاوة على أن المشهد به تحركات في الخفاء، مؤكدًا أن إرسال رجال دين وطرق صوفية، والذين يحظون باهتمام وتقدير من شعب النيجر، إلى نيامي، سيعطي فرصة للانقلابيين لكسب الوقت، وسيمنحهم آمالا بأنهم يسيرون في الطريق الصحيح.
وكان وفد الوساطة المكوّن من رجال دين نيجيريين، أكد يوم الأحد، أنّ النظام العسكري الحاكم في النيجر منذ الانقلاب العسكري أبلغه باستعداده لحلّ الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية.
رسائل داخلية وخارجية
أما الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد شريف جاكو، فيرى أن التهديد بتقديم بازوم وبعض أعضاء حكومته للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، يهدف لإيصال رسالة داخلية وخارجية.
وأوضح الخبير التشادي، في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الرسائل الخارجية تتمثل في التأكيد على أن مسألة عودة بازوم إلى السلطة قد انتهت إلى الأبد ولا رجعة فيها، فيما الداخلية تتمثل في إقناع أنصار بازوم في الداخل أن مصيره مهدد بالسجن، إن لم يتطور الأمر إلى الإعدام، بتهمة الخيانة العظمى.
وأشار إلى أن هناك مجموعة من أنصار بازوم كانت قد شكلت جبهة للدفاع عن الرئيس المعزول، مما سيجعلهم يقفون أمام قرار تقديم بازوم للمحاكمة.
وبحسب الخبير التشادي، فإن مسألة تقديم بازوم للمحاكمة وإطلاق سراحه مع التنازل عن الرئاسة وتقديم استقالته وسلامته، ستكون مجالا للتفاوض مع "إيكواس"، لأنه ليست هناك مجالات أخرى للتفاوض بين تلك الأطراف.
aXA6IDMuMTMzLjE0OC43NiA= جزيرة ام اند امز