جاءت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بغير ما يشتهيه الحزب الجمهوري، ولم يكتمل احتفال "الموجة الحمراء"،
بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس الشيوخ، وفوز الجمهوريين بأغلبية مجلس النواب بفارق ضئيل، في انقسام واضح لدى الناخب الأمريكي حول قضايا البلاد الرئيسية، لا سيما الملف الاقتصادي وارتفاع الأسعار.
أمام الحزبين الجمهوري والديمقراطي دروس مستفادة عديدة، من تجارب السباق الرئاسي للعام 2020 وانتخابات التجديد النصفي، في إطار التحضير لسباق الرئاسة عام 2024، وسيدرس الحزبان برأيي الأزمات التي مرت بعهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومنذ تولي الرئيس جو بايدن السلطة، لاسيما الوعود الانتخابية التي لم تتحقق، مثل ملف التعامل مع جائحة كورونا، وخطة الإنقاذ التي بلغت 1.9 تريليون دولار، ويبدو أنها لم تفكك عقد أزمة التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الجريمة، والتخبط في السياسة الخارجية، ولم يكن مشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الا انعكاس للعهد الديمقراطي في التعامل مع الملفات الخارجية.
قدمت "كاثرين كورتيز ماستو" هدية قيمة للحزب الديمقراطي، عندما فازت بمقعد مجلس الشيوخ في ولاية نيفادا، لتصل بالديمقراطيين إلى المقعد رقم 50، بينما الجمهوريون عند المقعد رقم 49 من 100 مقعد، ليصبح المقعد المتبقي بيد نائبة الرئيس "كامالا هاريس" بصفتها رئيسة المجلس لترجيح الكفة، بغض النظر عن نتيجة المقعد المتبقي في ولاية جورجيا، ما يعكس رفض الناخب الأمريكي للشخصيات من الحزب الجمهوري المتحالفة مع "ترامب" ، ولا شك أن فوز الديمقراطيين يشكل حافزا كبيرا للرئيس بايدن خلال العامين المتبقيين من ولايته.
ستمنح أغلبية الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، صلاحيات الموافقة على قضاة المحكمة الدستورية العليا والفيدرالية، خصوصا أن المحكمة العليا تتمتع الآن بأغلبية المحافظين، كما سيمكن الديمقراطيون من وضع جدول الأعمال وتعطيل مشاريع القوانين التي أقرها مجلس النواب، كما سيعمل الديمقراطيون على منع محاولات الجمهوريين لإجراء تحقيقات حول أنشطة "بايدن" ونجله "هانتر" في أوكرانيا والصين، بالإضافة إلى إيقاف الخطط الجمهورية لعزل "بايدن".
لم يتمكن الجمهوريون من اكتساح الكونغرس كما وعدوا، وكما أظهرت استطلاعات الرأي، فمد الموجة الحمراء توقف عند أغلبية النواب، 218 مقابل 211 للديمقراطيين، إلا أنه في الوقت ذاته، سيعطي مجلس النواب الجمهوري الجديد القدرة على خلق العراقيل للتشريعات الرئيسية خلال العامين المقبلين، لا سيما وضع العقبات أمام دعم إدارة بايدن لأوكرانيا، والذي تجاوز 19 مليار دولار منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تقليص الإنفاق الفيدرالي، خصوصا الميزانية الضخمة التي وضعتها إدارة بايدن لملفات التضخم والرعاية الصحية وتغير المناخ.
من المتوقع أن يستغل الجمهوريون سيطرتهم على مجلس النواب، بزيادة الرقابة على إدارة بايدن، وفتح تحقيقات بشأن الميزانية التي صرفت لملف جائحة كوفيد 19، وملف المعاملات التجارية المشبوهة "لبايدن" ونجله "هانتر"، بالإضافة إلى ملف الانسحاب الدرامي من أفغانستان، والذي أدى إلى مقتل 13 جنديا أمريكيا، كما أعتقد أنها فرصة مناسبة للحزب الجمهوري لإنهاء المعارك القانونية المحيطة بالرئيس السابق ترامب، وتحديدا تسوية ما يتعلق بأحداث شغب "مبنى الكابيتول" بشكل نهائي.
دروس كثيرة خرجت من نتائج التجديد النصفي للكونغرس، للحزبين الجمهوري والديمقراطي، فمن الواضح أن مبالغات المد الجمهوري الأحمر، استراتيجية مضرة جدا للجمهوريين، بل على النقيض، لا بد من الاستعداد للسباق الرئاسي المقبل بتقديرات أكثر واقعية، فمع فشل اكتساح الكونغرس، قد يعيد الجمهوريون النظر في قاعدة "ترامب" الشعبية، وإن كان سيمثل الحزب للعودة إلى البيت الأبيض، أم سيكون له منافسون صعداء، مثل حاكم فلوريدا "رونالد دي سانتيس"، أو وزير الخارجية السابق "مايك بومبيو"، بينما سيتساءل الديمقراطيون، إن كان "بايدن" يستطيع مع كبر سنه، خوض معركة البيت الأبيض، أو نائبته "هاريس"، التي تبدو لا تملك الخبرة، أو القدرة على تحقيق التأثير على الناخب الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة