بين مطرقة دالاس وجيتار بلينكن.. هل أدمنت أمريكا الـ"باكتومانيا"؟
حين تنظر إلى وزيري خارجية أمريكا الحالي أنتوني بلينكن والراحل جون فوستر دالاس، تجد شخصيتين مختلفتين تماما، لكنهما تتشابهان بشكل مخيف في شيء واحد.
فوزير الخارجية جون فوستر دالاس الذي توفي عام 1959، كان بحسب معظم الروايات، محاميا صارما وجادا بلا هوادة ومتشددا في وول ستريت ويتمتع بنزعة أخلاقية.
على النقيض من ذلك، عادة ما يوصف بلينكن بأنه ودود، وعالمي، ومتواضع، وسهل العمل معه. فضلا عن أنه من هواة موسيقى البوب، ويبدو أنه يمتلك قطعا من جيتار البلوز.
وما بين النقيضين، تبرز شخصيتان مختلفتان تماما، لكنهما تتشابهان في جمع أكبر عدد ممكن من الشراكات الأمنية للولايات المتحدة. هذا ما خلُص له تحليل طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
لكن هل نجح بلينكن ودالاس في هذه الاستراتيجية؟ هذا ما يشك فيه التقرير الذي قال لا الصارم نجح فيها ولا الودود أيضا.
الباكتومانيا
وبالعودة إلى السنوات الأولى من الحرب الباردة، قاد دالاس سلسلة من المبادرات الدبلوماسية التي أطلق عليها النقاد اسم "باكتومانيا".
وكمستشار للرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، تفاوض دالاس على النسخة الأولية من المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان وساعد في تسهيل معاهدة أنزوس بين بلاده وأستراليا ونيوزيلندا.
وبصفته وزيرا للخارجية في عهد الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور، دعم دالاس منظمة المعاهدة المركزية (CENTO)، التي ضمت العراق وتركيا وإيران وباكستان والمملكة المتحدة.
ولم تكن واشنطن عضوا رسميا في تلك المنظمة، لكنها وقعت اتفاقيات ثنائية مع كل دولة من الدول الأعضاء وحضرت الاجتماعات بصفة مراقب.
واقتناعا منه بأن الحياد كان "مفهوما غير أخلاقي وقصير النظر"، كان دالاس أيضا مهندس منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا (سياتو)، التي كان أعضاؤها هم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى ونيوزيلندا وأستراليا والفلبين وتايلاند وباكستان. .
ماذا عن الآن؟
حتى قبل تدهور العلاقات مع روسيا، كانت الولايات المتحدة ملتزمة بشكل ثابت بتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل مفتوح، والتوسع التدريجي للشراكات الأمنية في مناطق رئيسية أخرى.
وبحلول عام 2015، كانت الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن ما يقرب من 70 دولة حول العالم، تضم مجتمعة أكثر من ملياري شخص ونحو 75% من الناتج الاقتصادي العالمي.
ولم يتعمق هذا الدافع إلا في أعقاب الحرب في أوكرانيا التي اندلعت في فبراير/شباط 2022، حيث دعمت واشنطن بنشاط انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وأصرّت على أن كييف (وربما غيرها) سيتم الترحيب بها في الحلف في مرحلة ما في المستقبل.
عملت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضا على تعميق ما يسمى بالرباعية (الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وساعدت في التوسط في مستوى جديد من التعاون الأمني بين أستراليا وبريطانيا من خلال صفقة مشاركة التكنولوجيا في AUKUS. .
وإلى جانب دوره في إصلاح العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان في قمة كامب ديفيد، أمضى بايدن هو ووزير خارجيته بلينكن وقتا طويلا في مفاوضات حول إقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو ما تطرق له ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في مقابلة الأخيرة مع قناة "فوكس نيوز".
ويتساءل ستيفن إم والت، كاتب العمود في "فورين بوليسي" في التحليل نفسه، "في لحظة حيث يشتعل غضب كل من الجمهوريين والديمقراطيين بشأن الصين، أليس من المنطقي أن نجعل أكبر عدد ممكن من البلدان إلى جانبنا؟".
ويضيف "يحاول الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يفعل الشيء نفسه من خلال مبادرة الحزام والطريق، أليس كذلك؟ أليست الحملة الطموحة لبناء التحالفات وسيلة أكثر فعالية من حيث التكلفة للحد من النفوذ الصيني من مجرد جرف المزيد من الأموال إلى البنتاغون (رغم أنه يبدو أننا نفعل الأمرين في وقت واحد)؟ وربما يعتقد أولئك الأكثر التزامًا بتعزيز نظام ليبرالي قائم على القواعد".
يقول ستيفن إم والت: "من المؤكد أنه عندما تواجه الدول القوية والمستقرة نفس التهديدات التي نواجهها، فإن تشكيل تحالف معها أمر منطقي".
وفي هذا الصدد، يتطرق لفترة الحرب الباردة التي كان فيها حلف شمال الأطلسي ناجحا "لأن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا كانت لديهم مصلحة مشتركة في ردع المحاولة السوفييتية للسيطرة على أوروبا الغربية. وهذا المنطق نفسه هو الذي دفع التحالفات الثنائية "المحورية" في آسيا، على الرغم من بعض التوترات الداخلية الكبيرة".
ولهذا السبب- يتابع كاتب العمود- "أصبحت الجهود الرامية إلى تعزيز هذه الترتيبات مرغوبة الآن. فعندما يمتلك الحلفاء المحتملون قدرات عسكرية هائلة خاصة بهم - مثلما كانت لدى بعض الدول الأوروبية - فمن الممكن أن يصبحوا مكملا قيما للقوة الأمريكية".
بيْد أن حتى عندما تكون الدول متحدة بتصور مشترك للتهديدات، فإن القيمة النهائية للشراكة تعتمد جزئيا- برأي ستيف- على ما إذا كان الأعضاء يتفقون على استراتيجية مشتركة وعلى استعدادهم لتقاسم الأعباء على النحو المناسب.
فبالنسبة له، فإن إضافة أعضاء ضعفاء وضعفاء إلى التحالف قد لا يؤدي إلى تعزيزه، وتصبح الشراكات طويلة الأمد أقل فعالية إذا سمح بعض الأعضاء بإضعاف قدراتهم العسكرية.