يتوقع السياسيون أن يبدأ فصل جديد في سياسة الولايات المتحدة حيث سيبدأ الرئيس الجديد في رسم نهجه وسياسته.
برحيل الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن البيت الأبيض، واعتلاء ترامب السلطة كرئيس منتخب للولايات المتحدة يتوقع السياسيون أن يبدأ فصل جديد في سياسة الولايات المتحدة حيث سيبدأ الرئيس الجديد في رسم نهجه وسياسته، بعيداً عما كان عليه أسلوب سلفه أوباما. فقد أضحى العالم اليوم أمام تغييرات تعتبر نوعية بشكل كامل، ومؤشراً إلى مستقبل التغييرات الكلية؛ في العالم برمته، على كافة الصعد، حيث يمر العالم بمنعطف خطر، وظروف بالغة الحساسية، تتطلب قراءة عميقة وواعية لتداعياتها وأهدافها وآثارها.
فعندما تطغى السياسة الدولية الواقعية في مرحلة الأزمات السياسية التي تجتاح العالم، فإن أهمية تحقيق الهدف سوف تطغى على القيم والمبادئ السياسية والأهداف النبيلة، حتى وإن كان ذلك يتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية، ولكن لا أحد يمكنه على وجه التقريب فهم طبيعة رهان الرئيس الأمريكي ترامب، فحساباته خارج منطق الحسابات وتقديراته بعيدة عن كل التصورات القائمة والمحتملة، ولذلك لا يستطيع أحد فك طلاسم أو حل شفرته الخفية، ما قد يفرز أوضاعاً إقليمية غير مواتية للمصلحة العربية،وبالتالي قد يقوض أمن المشرق العربي لمخاطر جسيمة أكثر مما تعانيه اليوم، مع أنه لم يكن باراك أوباما- وحده في رأي بعضهم- الرئيس الأسوأ في تاريخ أمريكا، بل هو الرئيس الذي جاء في الظرف الأسوأ بالنسبة لهذه الدولة العظمى، فالانهيار الاقتصادي الذي حدث عام 2008 أرخى بظلال كثيفة على قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في نهجها الرامي إلى حكم العالم، فقد تبين أن للقوة حدوداً، وأن الاعتراف بحقيقة الواقع هو من أسمى الفضائل بالنسبة للسياسيين الذين يتحملون مسؤولية شعوبهم. وعلى الرغم من الموارد الاقتصادية الهائلة للولايات المتحدة، لكن إفراطها في شن الحروب ضد الدول، وإنفاقها الكبير على برامج التسلح، والانتشار العسكري في أرجاء المعمورة، قد أنهك مواردها الاقتصادية، وجعلها ترزح تحت ضغط دين يتجاوز 20 تريليون دولار، وهو في ازدياد مع مشرق كل يوم جديد.
لقد كان من الحكمة أن تتجه النخبة السياسية الأمريكية إلى نقد الذات، والوقوف على مكامن الخلل في السياسات الداخلية والخارجية، ومعالجتها عبر برنامج طويل من الإصلاح الهادئ.
لقد كان انتخاب الرئيس باراك أوباما بداية لمرحلة جديدة في السياسة الأمريكية، عنوانها السلام والشراكة مع الأقطاب الدولية الأخرى؛ لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم. وبعد خمسة عشر شهراً من انتخابه رئيساً، أصدر باراك أوباما استراتيجيته للأمن القومي، والتي حرص فيها على أن يختط لنفسه نهجاً مغايراً للرئيس السابق جورج بوش، الذي استخدم حقه في شن حروب استباقية ضد من رأى أنهم يشكلون خطراً أمنياً على الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ناقشت الوثيقة بشكل عام الحاجة إلى إنهاء خطر القاعدة، وسحب القوات الأمريكية من العراق، ومواصلة السعي للسلام في الشرق الأوسط، والسعي لعلاقة مستقرة حقيقية متعددة الأبعاد مع روسيا. لكن بعد مضي عدة سنوات من صدور تلك الاستراتيجية، تبين أنها لا تصلح كسياسة دائمة للولايات المتحدة، فقد برز التحدي الروسي في عدة قضايا أبرزها الحرب على العراق، والملف النووي الإيراني، وأخيراً المشكلة السورية، كما أضحى النظام العالمي على شفا الانهيار بعد أن انقسم مجلس الأمن الدولي حول قضايا دولية مؤثرة مثل الأزمة في سوريا.
وكانت روسيا قد نجحت في التقارب مع الصين حول عنوان واحد هو «مواجهة الهيمنة الأمريكية»، وتمكنت الدولتان من تشكيل حائط صد سياسي واقتصادي، تكسرت عليه الخطط الأمريكية الطموحة. وكان أبرز ما قامت به هاتان الدولتان هو تشكيل تجمع «بريكس» الذي يضم بالإضافة إليهما كلاً من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، هذا التجمع الذي جعل أولى أولوياته، تفكيك النظام الدولي الحالي بكل مؤسساته السياسية والأمنية والاقتصادية. وأمام هذا التحدي الروسي الماثل، لم يستطع الرئيس أوباما متابعة استراتيجيته بخصوص التقارب مع هذه الدولة الكبرى، التي عادت من جديد كلاعب دولي لا يمكن تجاوزه. وكان الاتحاد الأوروبي هو الضحية الأولى من جراء تغير النظرة الأمريكية تجاه روسيا، فقد أرغم هذا الاتحاد على الدخول في حالة عداء مع روسيا عبر العتبة الأوكرانية، وكان انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي موضع جدل داخل البيت الأوكراني، وموضع قلق روسي على المستوى الخارجي، مما دفع الأوروبيين، ومن ورائهم الأمريكيون، إلى تفجير أوكرانيا من الداخل، كمدخل لتفجير روسيا نفسها، وبالتالي تفكيكها إلى دويلات متعددة، فبدأت الأزمة الأوكرانية، وفرضت دول التحالف الغربي عقوبات اقتصادية ضد روسيا. وفي نفس الوقت عمل حلف شمال الأطلسي على تكثيف نشاطاته ضد روسيا، وأعلن قائد القوات البرية للولايات المتحدة في أوروبا، عن إرسال مراقبين عسكريين إلى استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وبلغاريا، بهدف تحديد مواقع إضافية في أوروبا الشرقية، لنشر الطائرات المقاتلة والدبابات وغيرها من الآليات والمعدات الحربية، التابعة للحلف.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة