حضور رئيسة وزراء بريطانيا لقمة التعاون التي عقدت في المنامة لم يكن حضوراً عادياً.
حضور رئيسة وزراء بريطانيا لقمة التعاون التي عقدت في المنامة لم يكن حضوراً عادياً لذا اكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للطرفين. فالعلاقات التي تربط الخليج العربي ببريطانيا ليست بالعلاقات العادية، فهي علاقات تاريخية واستراتيجية واقتصادية وأمنية تربط الكتلتين بعضهما ببعض.
كما أن الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية الحالية قد ساهمت في تعزيز العلاقة وترسيخها. فمنذ الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تبحث عن شركاء يسدون الفراغ الاقتصادي الذي كانت تشغله أوروبا.
فعلاوة على كندا والولايات المتحدة، وهي الدول التي تربطها علاقات تاريخية قوية مع بريطانيا، فإن الخليج يمثل هو الآخر كتلة قوية كبيرة يمكنها أن تسد الفراغ الاقتصادي الذي سوف يحدثه الانسحاب الأوروبي من بريطانيا. من ناحية أخرى فإن الروابط التي تربط دول الخليج وبريطانيا ليست بالروابط العادية. فهناك تاريخ من الوجود والتعامل الخليجي مع بريطانيا يرجع إلي مئات السنين.
فمنذ القرن السابع عشر والوجود البريطاني في الخليج يتمدد ويتسع حتى وصل في نهاية القرن التاسع عشر إلى أقصى قوته. ومما ساعد بريطانيا على فرض الهيمنة على الخليج ليس آليتها العسكرية الضخمة ولا بحريتها القوية وإنما الاتفاقيات العديدة والمعاهدات المتنوعة التي استطاعت بها أن تخلق جواً من النفوذ والقوة في مياه الخليج لا يضاهيها أحد.
ضعف مشيخات الخليج آنذاك في مقابل قوة الآلة الأمنية والعسكرية البريطانية أعطى لبريطانيا حقوقاً متنوعة في المنطقة وجعلها الآمر الناهي. ولكن هذا الوضع سوف يتغير مع إطلالة القرن العشرين.
فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى اضطرت دول الخليج إلى إعلان وقوفها إلى جانب بريطانيا، وكان لهذا الأمر دور مهم في انتصار بريطانيا في الحرب. فقد وفر موقف دول الخليج جواً نفسياً أهل بريطانيا لكسب الحرب.
ولكن ما أن انتهت الحرب حتى بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين دول الخليج وبريطانيا. فقد شهدت فترة ما بين الحربين تطوراً مهماً على صعيد العلاقات الخليجية - البريطانية. فقد ازدادت أهمية الخليج وازدادت القبضة البريطانية على المنطقة بأسرها.
ومع قيام الحرب العالمية الثانية وانتهائها في العام 1945 وقيام الأمم المتحدة تغيرت التشريعات الدولية وأجُبرت بريطانيا على انتهاج سياسة أكثر ليناً مع دول الخليج. فعوضاً عن سياسة «الترهيب» المتبعة انتهجت بريطانيا سياسة «الترغيب» المتمثلة في مساعدة دول الخليج في تطوير بنيتها التحتية. وعلى الرغم من ضآلة تلك المشاريع إلا أنها مثلت بداية جديدة في العلاقات بين الطرفين.
ومنذ منتصف القرن العشرين بدا أن العلاقات بين الطرفين سوف تأخذ منحى جديداً. فالمتغيرات العالمية والمتغيرات في العالم العربي كانت من القوة بحيث أجبرت بريطانيا على انتهاج مسار مختلف والإعلان عن رغبتها الانسحاب من شرق السويس بحلول نهاية عام 1971.
استقلال كل دول الخليج لم يعني انتهاء العلاقة مع المستعمر السابق بل كان فاتحة لعهد جديد من العلاقات المتوازنة بين الطرفين. فالعلاقة الجديدة اعتمدت أسسها على الاحترام والتعاون والتكافؤ بين شريكين.
فكلا الطرفين أصبح بحاجة إلى الآخر في مجالات مختلفة: الخليج بحاجة للمساعدة التقنية والأمنية وبريطانيا بحاجة لنفط الخليج لاستمرارية عجلة الاقتصاد ورفد سوق العمل بها، وهكذا تبلورت علاقة جدية ومتكافئة بين الطرفين استمدت قوتها من عمق العلاقات التاريخية بينهما.
في الألفية الثالثة تطورت العلاقات بين الطرفين لتدخل مرحلة جديدة قائمة على التعاون في المجالات الآنفة الذكر بالإضافة إلى الاستثمار الاقتصادي. فالخليج بحاجة إلى تطوير آليته العسكرية والأمنية وبريطانيا بحاجة إلى مشاريع اقتصادية تدفع عجلة الاقتصاد البريطاني إلى الأمام في ظل الركود الاقتصادي العالمي.
مع الاستفتاء على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أصبحت بريطانيا بحاجة ماسة إلى المزيد من الإنفاق على مشاريعها الداخلية وإلى المزيد من جذب رؤوس الأموال الأجنبية لتعويض الاستثمارات الأوروبية.
ومع تنامي الدور الرائد الذي أصبحت تقوم به دول الخليج على الساحة الدولية أصبح التعاون مع الخليج يصب في المصلحة البريطانية خاصة في ظل المتغيرات العالمية واختلاف مؤشر الشراكات والتحالفات الدولية الجديدة.
إن المستقبل يحمل الكثير من التغير الإيجابي للعلاقة الخليجية - البريطانية. ففي ظل المتغيرات الإقليمية الملحة وفي ظل المتغيرات الدولية الجديدة أصبح كلا الطرفين: الخليج وبريطانيا، ينظر إلى علاقته بالآخر على أنها أفضل استثمار للمستقبل.
*نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة