الاقتصاد الأمريكي في "مكان غريب".. سؤال الركود يحير الجميع
هل دخلت أمريكا في حالة ركود أم لا؟.. سؤال يتردد كثيرا في الأوساط الاقتصادية دون الحصول على إجابة واضحة ومحددة.
ما هو الركود؟
يحدث الركود عندما يصبح الاقتصاد أضعف، أي عندما يكون الإنتاج أقل، وعندما يتم ذلك تبدأ مرحلة تسريح العمال من وظائفهم، ومن ثم تغلق الشركات أبوابها، وتبدأ عمليات البيع.
لكن ما يحدث في الولايات المتحدة، لا يمكن وصفه بالركود، ولا يمكن أن نقول إنه لا يوجد ركود، فالبيانات الرسمية الصادرة عن الاقتصاد تقدم نتائج مختلفة، بعضها ينفي الركود والبعض الآخر يؤكده.
هناك الكثير من الأرقام المهمة، تتعلق بالبطالة والوظائف، وبيانات حول الأسعار والديون والائتمان، والنمو الاقتصادي نفسه (الناتج المحلي الإجمالي).
تشير بعض هذه البيانات بشكل مباشر إلى الركود، بينما يشير البعض الآخر إلى سيناريو "هبوط ضعيف"، والاقتصاديون منقسمون حول المكان الذي يجب أن نبحث فيه عن حدوث الركود.
وفقا لموقع "NPR" الأمريكي، يقول راجوهرام راجان، الاقتصادي وأستاذ التمويل في كلية بوث للأعمال بجامعة شيكاغو: "لا نعرف تماما ما الذي يحدث.. هذا الوضع غير مسبوق نسبيا".
وسط هذه الحالة من الالتباس، ومع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة العام الماضي، اتخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي إجراءات لخفض الأسعار عن طريق رفع أسعار الفائدة.
يهدف رفع أسعار الفائدة إلى إبطاء الإنفاق، كما أن أسعار الفائدة المرتفعة تزيد من تكلفة اقتراض الأفراد والشركات للمال، لذا فهم يقترضون أقل وينفقون أقل ويشترون أقل في النهاية.
عندما يتباطأ الإنفاق، تخفض الشركات الأسعار في محاولة لإغراء الناس بالشراء، وبهذه الطريقة، تنخفض الأسعار، وتحل مشكلة التضخم.
هل أمريكا في حالة ركود؟
تقول دانا بيترسون، كبيرة الاقتصاديين في The Conference Board، وهي مؤسسة فكرية اقتصادية، إنها ترى ركودا في البيانات.
وأوضحت: "التوقعات هي أننا سنشهد ركودا.. المؤشرات الاقتصادية الرائدة لدينا تشير إلى أن هذا يحدث الآن".
تقول بيترسون إنها تبحث في بيانات الإسكان، وثقة المستهلك، وبيانات التصنيع، وطلبات المصانع، والإنفاق الاستهلاكي، والكثير من هذه المؤشرات يؤكد على حدوث ركود.
تشير بيترسون إلى عشرات الآلاف من حالات تسريح العمال التي شهدناها هذا العام في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الطعام والكهرباء والغاز، وارتفاع ديون بطاقات الائتمان، لكنها أكدت أيضا على أن المستهلك الأمريكي أنفق أقل من المتوقع خلال العطلات الرئيسية.
على الرغم من أن بيترسون تقول إنه يبدو أننا في حالة ركود أو على وشك أن نكون في حالة ركود، إلا أنها تتوقع أن يكون الركود خفيفا.
وأكدت أنه كان من الصعب جدا على الشركات العثور على عمال لفترة طويلة، فهي لا تخطط لتسريح الأشخاص كما قد يحدث في فترات الركود الحقيقية، لذلك قد لا يبدو هذا الركود مثل فترات الركود الأخرى.
تقول: "يمكن أن يكون لديك ركود، لكن ليست هناك ارتفاعات هائلة في البطالة".
ما هي حجة الرؤية المخالفة؟
رؤية مخالفة يتبناها جاستن ولفرس، الخبير الاقتصادي بجامعة ميشيغان، الذي يقول إن الحديث عن الركود الاقتصادي يبدو سخيفا، مؤكدا أنه هناك "أشياء جيدة".
وأضاف: "في الوقت الحالي، نحتفل بالبطالة عند أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، عند 3.4%.. هذه مستويات قالت الأجيال السابقة من الاقتصاديين إنها مستحيلة".
يشير ولفرس إلى أن هذا النوع من نمو الوظائف يكاد يكون معجزة بعد ما مر به الاقتصاد قبل 3 سنوات في بداية الوباء.
وأوضح: "إذا عدنا إلى مارس/آذار من عام 2020، حيث كان العالم يغلق، وارتفعت معدلات البطالة إلى معدلات لم نشهدها منذ الكساد الكبير، هذه الصورة تغيرت تماما بالنسبة للبطالة".
يقول ولفرس إن بيانات الوظائف هي ببساطة البيانات الأكثر أهمية والأكثر دلالة في الاقتصاد، عندما يكون معدل البطالة منخفضا، يشعر الناس بالثقة في قدرتهم على العثور على وظيفة إذا احتاجوا إلى ذلك.
كما يقول ولفرس، مع ازدهار الوظائف، ينخفض التضخم، حيث تراجع من أكثر من 9% إلى حوالي 6%.
علامة واعدة أخرى على أن الاقتصاد الأمريكي قد نحقق هبوطا ناعما، تتمثل في إنفاق المستهلكين الذي يمثل نحو 70% من الاقتصاد الأمريكي بأكمله.
عندما ينفق المستهلكون أقل يتباطأ الاقتصاد بأكمله، لكن أحدث الأرقام تظهر أن المستهلكين أنفقوا بوتيرة سريعة للغاية في يناير/كانون الثاني 2023.
لكن الخبير الاقتصادي راغورام راجان يعتقد أن الركود مقابل الهبوط الناعم ربما يطرح السؤال الخطأ.
ويقول: "قد لا يكون هناك فرق كبير بين الهبوط الناعم والركود المعتدل"، ما نحتاج حقًا إلى البحث عنه، كما يقول، هو خطر حدوث ركود كبير.
شيء واحد مؤكد، هو أن الاقتصاد الأمريكي في مكان غريب، بعيدا عن كل الدراسات الاقتصادية المعروفة، حيث تظهر بعض البيانات اقتصادا مزدهرا ويظهر بعضها علامات تباطؤ مقلق.
aXA6IDE4LjExNi4xNS4yMiA= جزيرة ام اند امز