الولايات المتحدة ستظل الطرف الموجه والمسير لما سيجري من اتفاقيات قادمة ستضم دولا عربية وإسرائيل.
تستطيع الإدارة الأمريكية أن تدعم المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية من خلال أداء دور نشط وفاعل، ومن خلال القدرة على الحركة والانتقال من مجرد المراقبة والمتابعة، للعب دور مباشر وداعم في تنفيذ ما سيتم الاتفاق بشأنه، إذ تكشف التطورات الحالية من جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والجولة المرتقبة لكوشنر كبيري مستشاري البيت الأبيض، أن الإدارة الأمريكية تريد أن تحقق نجاحات حقيقية في المنطقة انطلاقا من المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية، والتي ستدشن مرحلة جديدة من التوافقات العربية الإسرائيلية، والتي تعيد تشكيل البيئة الاستراتيجية والأمنية في الإقليم بأكمله، ولن تقتصر فقط على منطقة الخليج العربي، بل ستمتد إلى سائر نطاقات الإقليم الذي سيكون أمام تحد من نوع جديد، مرتبط بصعود فواعل جدد في المنظومة الأمنية والسياسية في الإقليم بأكمله، مما سيكون له انعكاسات حقيقية على باقي الدول الأخرى في الإقليم بأكمله، وهو ما سينطبق على تركيا وإيران .
ومن المهم أن يكون ذلك في إطار منظومة من المصالح المستجدة والمهمة للدول العربية، إذ أن الإدارة الأمريكية لديها من القيادة ما يؤهلها لدعم الترتيبات الأمنية على المستوى العربي مع إسرائيل، وإعادة التذكير بأن الولايات المتحدة كانت طرفا موقعا على المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وبتوقيع الرئيس جيمي كارتر نفسه، والواقع أن الإدارة الأمريكية تريد أن تحقق نجاحات جديدة تحسب لها قبل معركة الانتخابات الرئاسية بعد أشهر معدودة، وهو ما سيدفعها للاستثمار وتوظيف ما جرى وسرعة التعامل معه انطلاقا من معطيات حقيقية تشكلت إثر قرار دولة الإمارات بالسلام مع إسرائيل في توقيت بالغ الضرورة والحيوية، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية، كما هو واضح ستتحرك، وفقا للمسارات التالية :
• تشكيل فرق عمل متخصصة أمريكية إسرائيلية للإشراف على إدارة ملف العلاقات العربية الإسرائيلية، وهو ما سيتبلور في وضع إطار عام خاص بكل دولة مع الالتزام بما هو موجود من تخصصات داخل وزارة الخارجية والبيت الأبيض، مع الاستعانة بعدد من مراكز الأبحاث السياسية الكبرى مثل معهد واشنطن والشرق الأدنى وبروكينجز وسابان، مع التزام الجانب الأمريكي بها، وهو ما تكرر في منعطفات هامة لإدارة الأفكار الأمريكية وتوجيه مساراتها في مراحل متعددة .
• تستهدف الحركة الأمريكية إحداث نقلة نوعية في مسارات العلاقات العربية الأمريكية، وهو ما دفعها فعليا للتركيز على الدول التي لم تتجاوب مع أفكار السلام والمناخ الجديد، مع التأكيد على أن ما يهم دولا بعينها قد لا يهم دولا أخرى، والتركيز على لبنان كمثال يختلف عن المغرب، فلبعض الدول دلالات ومعطيات في حل وتحليل الصراع العربي الإسرائيلي وفقا للنهج الأمريكي في إدارة العملية التفاوضية، مع عدم الخروج عن الثوابت في إدارة المشهد لحسابات أمريكية وإسرائيلية نظرا لطبيعة العلاقات المشتركة .
• أن الإدارة الأمريكية لن تعمل على تقديم رسائل تطمينية إلى أي طرف، وبالتالي فما قدم في مراحل معينة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لن يقدم في هذا التوقيت، حيث تبدو أن الأحاديث عن السلام مرتبطة بمصالح مشتركة حقيقية لا يمكن تجاوزها أبدا، كما ترتبط بأجواء سياسية جديدة تشكل بنية النظام الأمني والسياسي الجديد، وهو ما يمكن تفهم أبعاده وتداعياته على كل المستويات السياسية والاستراتيجية، بدليل أن المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية ستكون هي الأساس لأي معاهدات أخرى يمكن أن تلحق بها، بصرف النظر عما تبديه أطراف بعينها في الفترة المقبلة وتحاول التجاوب مع طرح دولة الإمارات العربية المتحدة غير المسبوق، وهو ما سيكون النموذج الجديد لما سيجري في الإقليم من تحولات هيكلية ستشمل الجميع .
• ستعمل الإدارة الأمريكية على تنفيذ بعض الأسس التي شملتها مقاربة المنامة من مقترحات في الوقت الراهن واستثمار ما جاء من أفكار متعلقة بالإقليم بأكمله، وليس فقط الأراضي المحتلة، وهو ما سيغير من نطاقات الحركة في الفترة المقبلة بالفعل لدول المنطقة، وينقل حالة التهديدات التقليدية من أطراف بعينها إلى حالة أخرى مع التوقع باستمرار الصدامات غير المباشرة، إذ ستبقى دول مثل إيران أو تركيا أكبر مهدد حقيقي لأمن الإقليم، وهذا ما ستتعامل معه الإدارة الأمريكية إذ ما زال الخلاف قائما على مستوى إيران والولايات المتحدة، كما تحولت تركيا لتكون دولة معادية في الإقليم جراء تدخلها في عدة دول عربية في نفس التوقيت، بدليل حضورها في مسارح العمليات في سوريا والعراق وليبيا والتخطيط إلى الوصول إلى المنطقة المغاربية مرورا بالساحل والصحراء، مما سيشكل عبئا حقيقيا على ما سيجري من ترتيبات لأمن الإقليم بكل ما فيه من دول ووحدات سياسية، يمكن أن تنضوي في البيئة الأمنية والاستراتيجية الجديدة، والتي تعلن عن نفسها في مساحات حقيقية من التوافقات الأمنية الجديدة والتي سيكون لها تأثيرها الممتد في الفترة المقبلة، وهو يشابه بعض الأفكار التي تم تسويقها في إطار الناتو العربي، أو تكتل ميسا فالأفكار الأمريكية واحدة، ويعاد تدويرها بالفعل وفقا لقاعدة استراتيجية محددة لا يمكن استبعاد أسسها في المرحلة المقبلة.
• إن التأكيد الأمريكي على نمط التعاملات المقبلة بين الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات وإسرائيل، سيتطلب وضع ضوابط ومعايير مهمة لإعادة هيكلة الأمن الاستراتيجي في الإقليم بأكمله، والتعامل الحقيقي مع كافة التهديدات الواردة على أمن كافة الأطراف، بصرف النظر عن التخوف من أي تداعيات سلبية قد تعلن عن نفسها في الفترة المقبلة وتؤثر على مسارات واتجاهات العلاقات العربية الإسرائيلية، والتي ستحدد أي أمن عربي مطلوب في إطار أمن الشرق الأوسط الذي يعاد هيكلته والنظر في أولوياته، وهو ما سيجري على قدم وساق ووفقا لاعتبارات حقيقية ومهمة، ولا يمكن تجاوزها في ظل مواجهة التهديدات الإيرانية والتركية وحسن التعامل مع أية تهديدات محتملة في أي وقت، الأمر الذي يشير بقوة إلى أن الولايات المتحدة ستظل الطرف الموجه والمسير لما سيجري من اتفاقيات قادمة ستضم دولا عربية وإسرائيل، ولهذا يجب تفهم أبعاد التحركات المقابلة والمعادية التي ستهدف إلى مواجهة ما سيجري، والعمل على عرقلتها بالفعل في الفترة المقبلة والسعي لتصدير الأزمات تباعا .
الدور الأمريكي في الإقليم سيظل دورا مهما ومباشرا لإنجاح ما سيجري من توافقات عربية إسرائيلية وبرغم انشغال الولايات المتحدة بانتخاباتها الرئاسية، فإن النجاح في الشرق الأوسط سيمثل انطلاقة ومكسبا كبيرا للرئيس ترامب، وسيمنحه الفرصة لاستعادة ما قد يكون قد خسره أثناء أزمة كورونا، فحل الصراع العربي الإسرائيلي على أسس ومقاربات جديدة، سيكون إنجازا غير مسبوق للرئيس الأمريكي وإدارته .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة