8 أشهر من التخفي بخيرسون.. "توم وجيري" بنسخة أمريكية روسية
في وقائع أقرب لقصص وأفلام الخيال التي جذبت انتباه الجمهور، يروي مواطن أمريكي حكاية 8 أشهر من التخفي في خيرسون بأوكرانيا.
تيموثي موراليس، معلم أمريكي، كان محاصرا بمدينة خيرسون جنوبي أوكرانيا إبان سيطرة روسيا، ونجح في التخفي عن أعين قوات الأخيرة.
موراليس، الذي خاض عملية تخفٍّ صعبة للغاية في خيرسون استمرت أشهرا، نادرا ما غامر بالخروج، وغيّر المنازل التي عاش فيها، وتظاهر بأنه من إيرلندا.
وكان موراليس يبقى داخل شقته لتجنب الدوريات الروسية، ويشاهد الأفلام على حاسوبه المحمول.
وفي الأيام المشمسة، كان يتجول في فناء صغير أحاطه سور. وخوفا من أن ترصده الأعين، كان ينظر بحذر من خلف الستائر، ليراقب عبور الروس للشارع، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وموراليس، معلم لغة إنجليزية، اختبأ من الجيش الروسي والشرطة السرية على مدار 8 أشهر كاملة سيطرت فيها موسكو على مدينة خيرسون، خوفا من أن تجعله جنسيته هدفا للروس.
ولم يظهر المعلم الأمريكي للعلن إلا بعد استعادة الجيش الأوكراني للمدينة الأسبوع الماضي.
الماضي خلف الظهر
وخلال حوار من أحد ميادين خيرسون، حيث يسير الآن بحرية مرتديا معطفا عليه شرائط صفراء وزرقاء اللون؛ ألوان العلم الأوكراني، قال موراليس (56 عاما): "شعرت بلحظات يأس عابرة. لكنني علمت أن هذا اليوم سيأتي".
ولا يزال دوي نيران المدفعية الموجهة نحو المدينة من المواقع الروسية عبر نهر دنيبرو يهز النوافذ، وتعاني المدينة بلا كهرباء، أو مياه، أو تدفئة.
فيما يعمل العديد من المدنيين المتبقين بالمدينة، عند بزوغ الفجر، على تشكيل صفوف طويلة للحصول على الخبز أو ملء الأباريق البلاستيكية بالمياه.
ويوم الثلاثاء الماضي، وصلت أولى القوافل حاملة المساعدات الإنسانية، وتوقفت بالميدان لتسليم الصناديق التي تحوي الدقيق، والصابون، والمناديل، وأشياء مثل مخفوق اللبن سريع التحضير.
لكن بالنسبة لموراليس، الأستاذ الجامعي السابق، أصبح الماضي خلف ظهره؛ فلا مزيد من ألعاب القط والفأر مع القوات الروسية.
ونشأ موراليس بمدينة بانبور في إنجلترا، وعاش لمدة سنوات في أوكلاهوما سيتي الأمريكية، حيث درس الأدب الإنجليزي، وفتح مدرسة للغة الإنجليزية في خيرسون قبل الحرب التي اندلعت في فبراير/شباط.
وخلال الأيام الفوضوية الأولى للحرب، أصبح موراليس محاصرا خلف الخطوط الروسية.
وقال إنه حاول في إحدى المرات الفرار عبر طريق سريع إلى الشمال، لكنه تراجع عندما رأى الدبابات تطلق النار على الطريق أمامه.
بيد أنه تمكن من إرسال ابنته ذات العشرة أعوام إلى بر الأمان، حيث سافرت مع زوجته السابقة، لكن دون أن يتمكن من إخراج نفسه.
وبالرغم من أنه لم يفعل أي شيء غير قانوني، بموجب قانون أي دولة، خشي موراليس من أن تحتجزه القوات الروسية لمجرد أنه أمريكي.
وتراوحت حياة موراليس بين شقتين؛ واحدة له وأخرى لزوجته السابقة، حيث تنقل خفية بين الموقعين، ومكث في فناء شقته خلف أسوار عالية.
وكان أقارب زوجته السابقة، وهي أوكرانية، يحضرون له الطعام، وأحيانا كان يتسوق من أحد المتاجر التي وثق في إحدى العاملات فيه.
وكانت رحلات التسوق هي الاستثناء الوحيد لحياته المنعزلة.
الجارة الوفية
لكن في سبتمبر/أيلول الماضي، خرج المعلم إلى الفناء ورأى قوات روسية توجه بنادقها عبر البوابة، فدلف إلى الداخل وأغلق الباب خلفه.
في هذه الأثناء، صاحت امرأة من الجيران بأنه ليس أمامه أي خيار سوى أن يفتح الباب. وهذا ما فعله بالضبط ليواجه ضابطا من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB).
وأخبر موراليس، الذي يتحدث الروسية لكن ليس بدرجة ترقى للسكان المحليين، الضابط الروسي بأنه إيرلندي يدعى تيموثي جوزيف، يدرس اللغة الإنجليزية في المدينة وأضاع جواز سفره.
وغادرت الشرطة السرية، وساعدت الجارة، وهي امرأة كبيرة في السن، في الحيلة، حيث أخبرت الضباط بأنه لا يوجد سبب للاشتباه في موراليس.
وبعدها، فرّ موراليس إلى شقة أخرى، ولم يعد إلى مكان التفتيش حتى بعد تحرير المدينة، خشية عودة الشرطة السرية.
ومن مخبئه، تمكن من استئناف تدريس الإنجليزية عبر الإنترنت، مستخدما وصلة إنترنت من أحد جيرانه للتواصل مع الطلاب بأماكن أخرى في أوكرانيا وغيرها من الدول.
وقبل أسبوع على تحرير المدينة، أصبح موراليس معزولا عن الأخبار بعد انقطاع الكهرباء.
ويوم الجمعة، رأى سيارة ترفع العلم الأوكراني، وقال: "علمت أن الروس رحلوا".