تسارع الولايات المتحدة الخطى لتحقيق هدف الانسحاب الكامل من أفغانستان قبل 11 سبتمبر 2021، حسبما أعلن الرئيس جو بايدن في أبريل الماضي.
وفي أحدث مؤشر على ذلك، غادرت كل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي قاعدة "باغرام" الجوية، أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، وآخر معاقل الولايات المتحدة في البلاد، والتي أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية تسليمها للقوات الأفغانية.
الانسحاب الأمريكي المتعجل من أفغانستان يثير كثيرا من اللغط ويطرح كثيرا من التساؤلات حتى داخل الولايات المتحدة بين فريق مؤيد ومشجع لإنهاء أطول حرب للولايات المتحدة، وفريق متخوف من التأثيرات التي يمكن أن تنجم عن ذلك.
فالفريق المؤيد للإسراع بخطوة الانسحاب يرى أن هذه الحرب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، ويجب أن تتوقف وتخرج الولايات المتحدة منها للتفرغ للتحديات الأهم لها، بما في ذلك المنافسة المستعرة مع الصين وروسيا، اللتين تستفيدان، بحسب هذا الرأي، من بقاء واشنطن في أفغانستان، فيما يبدي الفريق المتحفظ قلقا كبيرا من سيناريو عودة أفغانستان مرة أخرى كملاذ آمن وبؤرة للجماعات الإرهابية.
التطمينات والوعود، التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره الأفغاني أشرف غني، خلال لقائهما، الجمعة الماضي، بالمكتب البيضاوي في العاصمة الأمريكية، بدعم أفغانستان وباستمرار التعاون العسكري والاقتصادي بين واشنطن وكابول، لا تقلل عوامل القلق من خطورة الانسحاب الأمريكي قبل إنجاز اتفاق سلام سياسي حقيقي ودائم يضمن تشكيل حكومة أفغانية مدنية تعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد.
هذا القلق ينتاب حتى المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، مع تنامي هجمات حركة "طالبان" الأفغانية وسيطرتها على العديد من الأراضي والمدن، التي سقطت في يدها حتى قبل أن تكمل القوات الأمريكية انسحابها، حيث أقر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن هجمات "طالبان" على قوات الأمن الأفغانية "تشهد تصاعدا كبيرا مقارنة بالعام الماضي".
وحذر قائد الجيش الأمريكي السابق، الجنرال جاك كين، من وجود "احتمال كبير لعودة القاعدة وداعش إلى الظهور".
كما خلص تقييم للاستخبارات الأمريكية كشفت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي إلى احتمال سقوط الحكومة الأفغانية في غضون 6 أشهر فقط من اكتمال انسحاب أمريكا من أفغانستان.
هذه المخاوف تمتد إلى خارج الولايات المتحدة، التي حسمت أمرها بالخروج النهائي قبل ذكرى هجمات 11 سبتمبر المقبل، فروسيا مثلاً عبرت عن القلق إزاء ما وصفته بـ"حشد داعش قواته في شمال أفغانستان"، بالتزامن مع مغادرة القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي المتسرع من البلاد.
في المقابل، تغري حالة الفراغ الأمني، التي ستشهدها أفغانستان بعد الانسحاب، قوى إقليمية عديدة مثل تركيا وباكستان وإيران لملء هذا الفراغ.
الهدف المعلن للبيت الأبيض هو العمل عن كثب مع الحكومة الأفغانية لضمان أن أفغانستان "لن تصبح مرة أخرى ملاذا لجماعات إرهابية تشكّل تهديدا للأراضي الأمريكية".
لكن هذا الهدف لا توجد أي ضمانات حتى الآن لتحقيقه، خاصة مع تعثر عملية المفاوضات بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، والتقديرات التي تشير إلى اتجاه "طالبان" للسيطرة بسهولة على الأراضي الأفغانية، وخروج الولايات المتحدة بهذا الشكل المتعجل دون ضمان الترتيبات اللازمة لما بعد الانسحاب سيعني باختصار أن المهمة الأمريكية في أفغانستان لم تكتمل، وأن الحرب، التي استمرت لعقدين، لم تحقق الهدف منها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة