الغرض من الترشيح الإلكتروني هو أن رئيس الوزراء الجديد على عجلة من أمره بسبب تقيده بالمهلة الدستورية التي لا تزيد على شهر واحد.
لم يعتد العراقيون على العالم الافتراضي كثيراً بسبب حرمانهم منه طيلة فترة النظام السابق، وجاء إلينا كثمرة من ثمرات "الديمقراطية" بعد عام 2003، وحتى بعد الانفجار الإلكتروني لا تزال جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تُدار عن طريق الإنترنت، فنحن أبعد ما نكون عن روح الحكومة الإلكترونية لأن معاملاتنا لا تزال تعمل بالطريقة اليدوية، لأن أجهزة الحكم لا تريد أن يشاع ذلك ويعمم لأنه سيفقد قطاعات كبيرة من الموظفين والوسطاء بينها أموال الرشاوى، لا توجد معاملة حكومية تتم إلا بالرشاوى حتى لو كان الأمر استحصال بدل ضائع أو الحصول على شهادة وغير ذلك. كما أن البطاقة الائتمانية لا تزال بعيدة عن التداول إلا أن رئيس الوزراء الجديد، وفي خطوة غير مسبوقة، أطلق موقعاً إلكترونياً من أجل تقديم طلب الترشيح لمنصب وزير في الحكومة المقبلة بعد تقديم بياناته الشخصية، وشهادته الجامعية، النسخة الأصلية، لا المزورة طبعاً لأن تزوير الشهادات أصبح مهنة احترافية في العراق، وتم الكشف عن وزراء وموظفين كبار يحملون شهادات مزورة.
الهدف من هذا الترشيح الإلكتروني لا يعدو كونه لعبة إلكترونية مفضوحة لا أكثر لأن قوائم الوزراء تخضع لضوابط المحاصصة الطائفية المعروفة، والمقررة مسبقاً وإلا سيكون ما استجد بمثابة حلم ديمقراطي وردي يحلم به كل عراقي.
الغرض من الترشيح الإلكتروني هو أن رئيس الوزراء الجديد على عجلة من أمره بسبب تقيده بالمهلة الدستورية التي لا تزيد على شهر واحد من تارخ تعيينه، إضافة إلى ذلك، يتمكن المترشح الإلكتروني لمنصب الوزير أن يوضح رؤيته "لحل المشاكل التي يواجهها القطاع المستهدف أو الوزارة التي يتقدم إليها، وحلوله العملية المقترحة"، وكذلك رؤيته "لمواصفات وسلوكيات القائد الناجح في الإدارة".
بعد تنفيذ هذه العملية الإلكترونية، كشفت النتائج عن تقدم نحو 55 ألف مرشح إلى الكابينة الوزارية، تم عزل 40 ألفاً منهم لعدم استيفاء الشروط، وتم إخضاع 15 ألفاً آخرين إلى الغربلة، لتتمخض العملية عن 601 مرشح لغرض المقابلة النهائية واختيار اﻷفضل بينهم.
ربما يتساءل سائل: هل هذه اللعبة الإلكترونية هي لاختصار الزمن أم للإيحاء بأن الديمقراطية بدأت تجد طريقها إلى الوزارات العراقية، وإنهاء المحاصصة الطائفية؟ كثيراً ما دار الحديث عن اختيار التكنوقراط، وهو ما لم يتحقق في الحكومات السابقة، لأن الأحزاب الدينية المهيمنة لا تسمح بأن يدخل حصن الوزارات أفراد لا ينتمون إليها.
الهدف من هذا الترشيح الإلكتروني لا يعدو كونه لعبة إلكترونية مفضوحة لا أكثر لأن قوائم الوزراء تخضع لضوابط المحاصصة الطائفية المعروفة، والمقررة مسبقاً وإلا سيكون ما استجد بمثابة حلم ديمقراطي وردي يحلم به كل عراقي. لا يدل الترشح الإلكتروني على أن ثمة تغييراً طرأ على السياسة العراقية منذ اعتلاء الأحزاب الطائفية سدة الحكم، وتعاقبها على الحكم طوال هذه السنوات العجاف في بيئة لا توفر للمواطن العراقي أبسط الخدمات في الماء والكهرباء، فما بالك في خدمات الرفاهية! لكن النظام الحاكم منذ 2004 يصر على أنه يمارس الديمقراطية، وهي شكلية بطبيعة الحال، ولا تمت إلى مفهوم الديمقراطية إلا في الظاهر: انتخابات، مجلس نواب، الكتلة الكبرى، وزراء إلكترونيون، إلخ.. لقد صحا العراقيون على نتائج مزورة في الانتخابات رغم صرف ملايين الدنانير على الانتخابات الإلكترونية، ولا تزال المناصب توزع حسب المحاصصة، فمن أين تأتي الديمقراطية؟ هذا هو الباطن الذي لا يراه سوى المحرومين حتى بات العراقيون يتساءلون عن جدوى الانتخابات ما دامت الأمور تخضع لشروط حديدية مسبقة لا يمكن اختراقها إلا بالمعجزة، لأن المتحكم بالمجتمع عناصر متشابكة: الفصل العشائري، والمحسوبية والمنسوبية في المناصب، والفساد الإداري والمالي، والطائفية. وهذه جدران لا يمكن اختراقها بسهولة لأنها محصنة بآليات دينية ودنيوية قاهرة.
الاستيزارة الإلكترونية أصبحت شأناً يتداوله العراقيون على سبيل السخرية أو المزاح، ولا ينظر له أحد نظرة جادة، حتى ممارسة رئيس الوزراء المعين عادل عبدالمهدي أعماله خارج المنطقة الخضراء هو الآخر لعبة تضاف إلى اللعبة الإلكترونية في إشارة إلى الإيحاء بأن الحكم يعود إلى الشعب بعد سنوات من التقوقع وراء أسوار المنطقة الخضراء المحصنة أمنياً وإلكترونياً وعسكرياً.
وهناك تساؤل آخر: هل يمكن ممارسة الديمقراطية في ظل انتشار العصابات والمليشيات؟ الموضوع خطير لدرجة أن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي شكا من انتشار تنظيمات المليشيات التي وصل عددها في بغداد وحدها إلى مائة تنظيم، بل أصبحت هذه التنظيمات خارجة عن سيطرة الحكومة نفسها، فهل يمكن معالجة هذه العصابات والمليشيات إلكترونياً، يا تُرى؟
لا نغالي ولا نبالغ إذا قلنا إن القوى السياسية بكل تشكيلاتها، تعمل الآن في الخفاء من أجل الالتفاف على مشروع توجه الحكومة المقبلة نحو الكفاءات وأصحاب الخبرات العلمية، ولا تعتبر الترشح الإلكتروني سوى نكتة سمجة ليس إلا في نظرها، وهي تمارس ضعوطاتها ومساوماتها من أجل قبول قوائمها التي تنتظر في الكواليس. أما حكومة التكنوقراط ما هي إلا دعابة أخرى يتندر بها العراقيون.
لو افترضنا جدلاً أن يأتي إلى الحكومة وزراء تكنوقراط مستقلون، ماذا يستطيع أن يفعلوا دون دعم الأحزاب المهيمنة؟ للأسف الشديد، تبقى المناصب الوزارية تخضع للسياسة، كما رأينا ذلك من تعاقب الحكومات العراقية، حيث تسيطر القوى المتنفذة على تقديم أفراد لا كفاءة لهم ولا خبرة ولا يتحلون بالنزاهة، لأن هدف الوزارات بكل طاقمها من وكلاء ومديري وهيئات، كما ذكرنا في مقالات سابقة، هو تأمين الموارد المالية للأحزاب المتنفذة.
وهذا الاختيار لم يؤدِ سوى إلى نتيجة واحدة: الفساد الإداري والمالي وخراب النفوس، وضياع عشرات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية وفضائية. والدليل على ذلك، هو خروج التظاهرات المتواصلة منذ عام 2010 وآخرها تظاهرات البصرة التي راح ضحيتها العشرات بالرصاص الحي.
هل تبحث الحكومة الحالية عن النزاهة والكفاءة والخبرة؟
الحكومات المتعاقبة لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الفساد بأشكال مختلفة، ولا توجد أي هيئة تحاسب هؤلاء حتى أن هيئة النزاهة في ذاتها بعيدة كل البعد عن النزاهة، لأنها سكتت عن الفاسدين، ولم تقتص منهم أو تقدمهم إلى العدالة. رئيس الوزراء الجديد عادل عبدالمهدي، الذي يحظى بدعم المرجعية الشيعية، يُبشّر بالمعايير والمقاييس والشروط التي يجب أن يخضع لها الوزراء الجدد في طاقمه، وهو كلام جميل، لكنه هل ستخضع لها قوائم الوزراء التي تختارها الأحزاب الدينية؟
هذا هو التحدي الذي يواجهه عادل عبدالمهدي في تشكيل طاقمه الوزاري الجديد، علماً بأن ممثلي تلك الأحزاب تقدموا لكي لا يكونوا خارج اللعبة، قدموا أنفسهم ضمن الترشيحات الإلكترونية، فهل تفضي هذه الطريقة إلى اختيار ذوي الكفاءات أو ستتحول الترشيحات الوزارية إلى مجرد لعبة إلكترونية تشبه مئات الألعاب التي يمارسها الناس في أوقات فراغهم للتسلية والترفيه، ولكن هذه اللعبة الإلكترونية في الاستيزار لا تثير الضحك بل تثير البكاء على أحوال العراقيين وافتقارهم إلى أبسط الخدمات الإنسانية: الماء والكهرباء؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة