خمسة عشر يوما فقط تتبقى لكي تدخل السلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ.
في مقال تحليلي مطول في العدد الأخير من مجلة "فورين أفيرز"، وهي أهم وأعرق الدوريات الأمريكية وأكثرها تأثيراً، بدا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو واثقاً من نجاح الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال إيران، مشيراً إلى أن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على طهران كانت فعالة للغاية وبدأت تؤتي ثمارها نفعاً بعدما تأثر الاقتصاد الإيراني بشكل ملحوظ ما أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات في الشارع الإيراني لتصل إلى أكثر من 80 مدينة بما فيها العاصمة طهران، مؤكدا أن إيران تتجاهل الأعراف الدولية وتنتهك حقوق الإنسان للشعب الإيراني، وتنشر الموت والدمار في جميع أنحاء العالم، وترعى جميع أنواع الإرهاب في الشرق الأوسط، وتطور برامج نووية وصاروخية وأصبحت خطراً على أمن واستقرار العالم، لذا فإن بلاده مصممة على مواصلة الحد الأقصى من الضغط تجاه النظام الإيراني، مؤكدا أن "الهدف من العقوبات الأمريكية هو إجبار الحكومة الإيرانية على الاختيار بين الاستمرار في سلوكها المدمر وتحمل تبعاته، أو مراجعة السياسات التي أدت إلى فرض هذه العقوبات".
بومبيو بدا أيضاً واثقاً أن النظام الإيراني سيضطر مجبراً في النهاية على الدخول في مفاوضات باعتبارها السبيل الوحيد المتاح أمام طهران لإنقاذ نفسها، ملوحاً هنا مرة أخرى بخيار القوة العسكرية، فرغم تأكيده أن بلاده لا تسعى للحرب فإنه أشار بوضوح إلى أن التوترات ليست في مصلحة إيران لأنها لن تصمد في النهاية أمام القوة العسكرية للولايات المتحدة، معيداً مرة أخرى خيار القوة العسكرية إلى حلبة النقاش المتعلق بسبل مواجهة سلوك النظام الإيراني.
الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها ستسير في طريق العقوبات على إيران إلى نهايته، خاصة أنها تلقت دفعة معنوية هائلة بعد أن نجحت استراتيجية العقوبات على تركيا في استسلام أردوغان ورضوخه لجميع المطالب الأمريكية دون تنازل أمريكي واحد سوى وعد بتخفيف العقوبات.
ما كشف عنه مقال بومبيو من أبعاد جديدة لاستراتيجية ترامب حيال إيران جاء مواكباً في توقيته مع تصريحات أخرى مشابهة صدرت عن المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، أكدت فيها أن بلادها ستتشدد في تطبيق العقوبات الجديدة على إيران.
وقالت هايلي، خلال جلسة لمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، أول أمس الخميس، إن واشنطن ستتشدد في تطبيق العقوبات الجديدة على قوات الباسيج في إيران، وعلى مواردها المالية المتمثلة في عدد كبير من الشركات والمؤسسات التي خصصها النظام الإيراني لتمويل أنشطة هذا الجهاز الأمني، وقبل هذه التصريحات بيومين كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عقوبات جديدة استهدفت 25 شركة وكياناً إيرانياً بينها مصرف "مهر اقتصاد" و"ملت إيران". وقالت إنها توفر دعماً مالياً لقوات الباسيج التابعة للحرس الثوري.
ملامح الاستراتيجية الأمريكية حيال إيران تتضح خيوطها يوماً بعد يوم، فبعدما انسحبت من الصفقة النووية في مايو الماضي، جاءت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي لتشهد تحركات وتصريحات أمريكية كان محورها الأساسي إيران، سواء تلك التحركات التي استهدفت تشكيل "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" من دول مجلس التعاون ومصر والأردن بهدف "تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة أنشطة إيران الخبيثة الموجهة ضد المنطقة والولايات المتحدة"، أو بتصريحات المبعوت الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري التي قال فيها إن القوات الأمريكية لن تنسحب من سوريا طالما بقيت إيران هناك، أو تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون التي أكد فيها أن أمريكا ستبقى في سوريا طالما بقيت القوات الإيرانية خارج حدودها.
خمسة عشر يوماً فقط تتبقى لكي تدخل السلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ.
وهي العقوبات التي ستتناول قطاعات الطاقة والبنوك والتأمين وستكون بالتالي أكثر إيلاماً للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بنسبة تزيد على 85% على عائداته من مبيعات النفط والغاز، الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها ستسير في طريق العقوبات على إيران إلى نهايته، خاصة أنها تلقت دفعة معنوية هائلة بعد أن نجحت استراتيجية العقوبات على تركيا في استسلام أردوغان ورضوخه لجميع المطالب الأمريكية دون تنازل أمريكي واحد سوى وعد بتخفيف العقوبات، في دلالة واضحة على حجم وتأثير اليد الثقيلة لواشنطن في الأسواق الدولية.
ترامب في تعامله مع الحالة التركية أثبت أنه رجل يحصل على ما يريد، إذا ما أراده بجدية، فهل يفعلها مرة ثانية مع الحالة الإيرانية؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ترتبط بمدى جدية الإدارة الأمريكية الحالية في مواجهة الطموحات التوسعية لنظام الملالي، ومدى قدرتها على تحويل عناصر استراتيجيتها تجاه إيران من أقوال إلى أفعال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة