أربعون عاما وإيران تمارس أدوارا مقلقة ومحبطة، بل مهددة للسلام العالمي والإقليمي.
هل يمكن لإيران أن تدعي صداقة مع أي طرف أجنبي لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص؟
يبدو أن الازدواج الأخلاقي القاتل قد بلغ حدا غير مسبوق لدى الطغمة الإيرانية الحاكمة هذه الأيام، سيما وأنها تحاول الهروب والفكاك من الغضب الساطع، الآتي عما قريب، عبر المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
إيران التي تتشدق بالصداقة مع الأمريكيين اليوم، هي عينها التي تقوم في الأيام الأخيرة بنشر صورايخ باليستية بعيدة المدى في العراق، وإدخال البعض منها إلى سوريا لتهديد إسرائيل، أو بمعنى أدق إشعال حرب إقليمية في المنطقة، ناهيك عن صواريخهم للحوثي التي تهدد الآمنين
تشبه إيران في حاضرات أيامنا قصة التاجر الذي أفلس، وعليه فقد أخذ يبحث في دفاتره القديمة بحثا عن أي مستحقات له عند الغير، عساها تنفعه أو تشفع له وهو يقابل ضنك الحياة ومرارة الأيام التالية، لكنها في النهاية تبقى أضغاث أحلام.
قبل أيام كانت إيران تمضي إلى محكمة العدل الدولية متهمة الولايات المتحدة الأمريكية بأنها خرقت معاهدة الصداقة القائمة بين الدولتين.. هل يمكن لعاقل أن يستوعب هذا الحديث؟
قصة تلك المعاهدة تعود إلى العام 1955، وفي مادتها الرابعة بنوع خاص نقرأ عن "التزام الطرفين رعاية العدل والإنصاف في مختلف الظروف أثناء التعامل مع رعايا وشركات الطرف الآخر وممتلكاته ومؤسساته، وعدم القيام بتدابير غير منطقية وعنصرية تلحق الضرر بالحقوق والمصالح القانونية المكتسبة للطرف الآخر".
وفي متن المعاهدة نقرأ أيضا عن "ضرورة الالتزام بالثوابت العليا لتنظيم العلاقات الإنسانية وتشجيع التجارة، وتأسيس استثمارات وعلاقات اقتصادية أقرب بشكل عام بين الشعبين والحكومتين".
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض بقية بنود المعاهدة، كما يعجز العقل عن فهم العقلية الإيرانية التي تجاوزت مبدأ التقية الأشهر إلى تسويف الوقت والتذرع بما لا يقبل عقلا أو عدلا .
بداية فإن النظام الإيراني الذي وقّع المعاهدة في ذلك الزمان، قد مضى إلى بعيد جدا حتى الزوال، وجاء من بعده نظام ديكتاتوري دموي، شغله الشاغل تصدير ثورته الأيديولوجية إلى بقية دول العالم، وعلى نحو خاص دول الجوار العربي، خليجيا أو شرق اوسطيا.
كيف يمكن للملالي أن يتناولوا حديث الصداقة مع دولة قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها منذ أربعة عقود ، وبعد احتجاز وإهانة دبلوماسية لأكثر من أربعمئة يوم، ذاقت فيها الدبلوماسية الأمريكية المهانة والإذلال؟
أربعون عاما وإيران تمارس أدوارا مقلقة ومحبطة، بل مهددة للسلام العالمي والإقليمي، وطوال تلك الفترة ارتفعت الرايات الإيرانية بعبارة فارسية شهيرة "مرك بر أمريكا"، أي الموت لأمريكا، ولم ينفك قادتها على اختلاف ألوانهم، على وصف الولايات المتحدة الأمريكية بـ"الشيطان الأعظم"، فهل تذكر الإيرانيون الآن أن أمريكا دولة صديقة، وأنه يتوجب التعاطي معها بحس إنساني؟
المفارقة القاتلة التي تجري في دماء الملالي في طهران ربما أنستهم أو أعمتهم عن مخططاتهم ضد الولايات المتحدة بنوع خاص، حيث يوجد بعض من رجالات الحرس الثوري الإيراني منذ عقدين على الأقل في دول أمريكا الجنوبية، وقد ارتكبت على أيديهم عمليات إرهابية عديدة، والآن تكاد فرق الاغتيالات الإيرانية الساكنة في الخلفية الجغرافية لأمريكا، والتي تشبه الخلايا النائمة أن تستيقظ، وهناك من التقارير الاستخباراتية الأمريكية ما يؤكد استعداد تلك الخلايا للقيام بعمليات إرهابية داخل الحدود الأمريكية حال القارعة، أي منع إيران من تصدير نفطها كمرحلة ثانية من العقوبات الأمريكية غير المسبوقة على النظام الإيراني .
سلاح الصداقة الذي أشهرته طهران الأيام الماضية لا محل له من الاعراب وخدعة لن تنطلي على أحد، ذلك أن واشنطن تعتبر منسحبة من الاتفاقية منذ اللحظات الأولى لقيام ثورة الخميني الكارثية، وقد صدق وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" حين اعتبر دخول محكمة العدل الدولية على خط هذه القضية محاولة للانتقاص من سيادة الولايات المتحدة التي تقوم بالإجراءات المشروعة واللازمة لحماية أمنها القومي.
عن أي صداقة يتتحدث الإيرانيون وهل للأمريكيين أو الأوربيين أن يثقوا بأي التزام إيراني؟
حين وقع الإيرانيون الاتفاقية النووية بدعم وزخم من باراك أوباما، كانت الشكوك تخيم حول نوايا إيران، فالجميع يعلم تمام العلم أن الهدف الإيراني الأول والأكبر هو حيازة السلاح النووي، وذلك لإدراك أمرين: الأول هو أن تكون المكافئ الموضوعي لإسرائيل في المنطقة، والثاني هو ممارستها للهمينة الأقرب إلى تصرفات قراصنة القرون الوسطى في البحار في منطقة الخليج العربي.
عندما تسائل إيران الولايات المتحدة عن الصداقة فإن الأخيرة يحق لها أن تتساءل: هل صداقتكم هي التي تدفعكم إلى ممارسات سرية عبر مواقع مجهولة داخل إيران للحصول على يورانيوم عالي التخصيب، أي السير في طريق القنبلة النووية مرة جديدة؟ وهل الصداقة التي ذهب من أجلها الإيرانيون إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي هي السبب وراء برنامج إيران الصاروخي، والذي اقترب من معدلات باليستية عالية، تهدد اليوم أوروبا دون أدنى شك، وغدا تطال السماوات الأمريكية، كما فعلت كوريا الشمالية، تلك التي ترتبط معها برباطات قوية للغاية تكنولوجيا ونوويا وصاروخيا إلى آخر سلسلة الأعمال الخفية بين الجانبين.
معاهدة الصداقة التي تبرزها إيران اليوم في وجه الجانب الأمريكي اخترقتها إيران من قبل ألف مرة ومرة، فعندما تعيق الملاحة في المياه الدولية، وتهدد بإغلاق الممرات المائية، تكون المعاهدة قد تم اختراقها، وحينما تقوم فرقها السيبرانية باخترق الأنظمة الإلكترونية للدول المجاورة، وتهدد المصالح الأمريكية بفيروساتها، ساعتها تكون أيضا قد اخترقت المعاهدة، وعندما تنشر الموت في أوروبا من خلال الحرس الثوري المقنع في شكل دبلوماسيين، تكون قد اخترقت معاهدة الصداقة.
إيران التي تتشدق بالصداقة مع الأمريكيين اليوم، هي عينها التي تقوم في الأيام الأخيرة بنشر صورايخ باليستية بعيدة المدى في العراق، وإدخال البعض منها إلى سوريا لتهديد إسرائيل، أو بمعنى أدق إشعال حرب إقليمية في المنطقة، ناهيك عن صواريخهم للحوثي التي تهدد الآمنين سواء في المملكة العربية السعودية أو حتى في إيران.
لم يعد لإيران من أصدقاء حول العالم، ما لديها مليشيات مأجورة، وعملاء مقنعون، أما الصداقة فهي أمر بعيد جدا، والتذرع بها فشل مضاف للملالي في الحال والاستقبال .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة