إيداع مالك قناة "النهار" الجزائرية الحبس المؤقت بتهمتي فساد
القضاء الجزائري يوجه تهتمتي فساد لأنيس رحماني وهما "الحصول على امتيازات غير مبررة وتكوين واستغلال أرصدة مالية بالخارج".
قضت محكمة جزائرية بالعاصمة بإيداع أنيس رحماني مالك قناة "النهار" الجزائرية الحبس المؤقت بسجن القليعة الواقع في محافظة تيبازة (وسط الجزائر).
وأمر قاضي التحقيق بمحكمة "بئر مراد رايس" في الجزائر العاصمة في وقت متأخر من ليلة الجمعة بوضع الإعلامي أنيس رحماني رهن الحبس المؤقت بتهم فساد.
ووجه القضاء تهمتي فساد للإعلامي "المثير للجدل" كما يوصف في الجزائر، وتتعلق بـ"الحصول على امتيازات غير مبررة وتكوين واستغلال أرصدة مالية بالخارج"، دون توضيح طبيعة الامتيازات غير المبررة التي حصل عليها.
وأصدر "مجمع النهار الإعلامي" الخميس بياناً توضيحياً اتهم فيه وسائل إعلام محلية بـ"الترويج لتهم دون تحري الحقيقة لتغليط الرأي العام"، مشيراً إلى أنه لا يزال في الحجز تحت النظر.
وأوقف الأمن الجزائري، الأربعاء الماضي، الإعلامي الجزائري "محمد مقدم" المعروف في الأوساط الإعلامية والسياسية باسم مستعار وهو "أنيس رحماني"؛ وذلك للتحقيق معه في شبهات فساد مالي، وعلاقات مشبوهة مع جناحي نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
جاء ذلك، بعد أن أكدت مصادر أمنية جزائرية لـ"العين الإخبارية"، أن قوات الأمن استدعت رحماني للتحقيق معه في علاقته بشخصيات أمنية وسياسية نافذة من جناحي الدولة العميقة، متهمة بقضايا فساد، وتقبع بين سجني الحراش والبليدة العسكري.
ويعد أنيس رحماني أول إعلامي ومالك لقناة تلفزيونية في الجزائر يأمر القضاء بوضع السجن المؤقت، بينما تعد قناة "النهار الإخبارية" ثالث مؤسسة إعلامية جزائرية يسجن مالكها بتهم فساد بعد كل من رجل الأعمال علي حداد مالك مجمع "وقت الجزائر" الذي يضم قناة "دزاير نيوز" ورجل الأعمال محي الدين طحكوت مالك قناة "نوميديا".
وتأسست قناة "النهار" في 6 مارس/آذار 2012، مستفيدة من الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عقب "ثورات الربيع العربي"، ومن بين من أقر فيها "فتح مجال السمعي البصري أمام الخواص".
وتحولت القناة الإخبارية بفضل علاقات مالكها أنيس رحماني مع شخصيات نافذة في النظام الجزائري إلى واحدة من أكبر القنوات التلفزيونية في الجزائر، وتحظى بأكبر نسبة متابعة بين جميع القنوات الجزائرية الأخرى، إذ تحوز على متابعة نحو 10 ملايين مشاهد وفق ما ذكرته القناة الشهر الماضي.
وأنيس رحماني صاحب الـ49 عاماً هو مستعار لواحدة من أكثر الشخصيات الإعلامية المثيرة للجدل والغامضة في الجزائر، خاصة منذ مجيء عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم في أبريل/نيسان 1999.
واسمه الحقيقي "محمد مقدم"، وهو الاسم الذي زاد من حدة الغموض حول تلك الشخصية الإعلامية، قبل أن يخرج عبر قناته التلفزيونية في يوليو 2017، ويكشف عن حقيقة "تحفيه وراء اسم مستعار".
واعتبر أن اختيار اسم "أنيس رحماني" كان بمثابة "الاختيار والحق الطبيعي والمشروع لحماية نفسه وعائلته"، مرجعاً ذلك إلى الوضع الأمني الذي كان سائداً في الجزائر سنوات التسعينيات حينما شهدت البلاد تغول الجماعات الإرهابية ضد الجيش والأمن والمواطنين.
ومما قاله الصحفي الجزائري: "في تلك الفترة الصعبة، وفي الوقت الذي كان الجميع يشاهد الموت صباحاً ومساء، الكل كان يحمي نفسه، وأنا حميت نفسي وعائلتي باسم مستعار".
ويوصف أنيس رحماني بـ"الإعلامي اللغز"، ومع مجيء بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، كان أنيس رحماني من "أكثر المعارضين" لبوتفليقة، حتى إنه كان "أول من أعاد تفجير قضية الفساد التي اتهم بها بوتفليقة أوائل الثمانينيات" فيما عرف بـ"فضيحة سرقة أموال وزارة الخارجية".
كما دعم أنيس رحماني المرشح المستقل ورئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2004 ضد بوتفليقة، قبل أن يصبح "واحداً من أكثر المدافعين عن نظام بوتفليقة".
ومع بداية سقوط "صقور المخابرات" بعد إقالة قائد الجيش الأسبق الفريق محمد العماري عام 2004، تحول موقف أنيس رحماني من نظام بوتفليقة من "معارض شرس إلى مدافع شرس عنه".
واستعملت مؤسساته الإعلامية، وفق مصادر إعلامية محلية، في تصفية حسابات بين أجنحة نظام بوتفليقة خاصة في 2015، إذ شنت هجوماً "كاسحاً" على شخصيات مقربة من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، من أبرزها وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، ونشرت وثائق قالت إنها "أدلة تؤكد تورطه في قضايا فساد" قبل أن يصدر أمر دولي بالقبض عليه.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل مالك قناة "النهار" الجزائرية في "صراع علني" مع الجنرال بشير طرطاق "منسق الأجهزة الأمنية" التي عوضت جهاز المخابرات، على خلفية اعتقال عناصر تابعة لذلك الجهاز صحفياً يعمل في موقع إلكتروني يملكه أنيس رحماني، بعد نشره مقالاً عن "دور جهاز المخابرات وقائده بشير طرطاق، في أزمة البرلمان الجزائري".
وانتشرت بعدها مكالمة هاتفية بين أنيس رحماني وعقيد في المخابرات الجزائرية، "هدد فيها الإعلامي الجنرال طرطاق"، ليرفع بعدها أنيس رحماني أول دعوى قضائية ضد جهاز المخابرات في تاريخ البلاد.
كما كانت المؤسسات الإعلامية التابعة لأنيس رحماني من أكثر الداعمين لترشح بوتفليقة للولايتين الرابعة والخامسة، ومنذ 2017 أصبحت بيانات الرئاسة الجزائرية "تنشر عبر قناة النهار" بدلاً من وكالة الأنباء الرسمية أو التلفزيون الحكومي، ما أثار جدلاً واسعاً في الجزائر.
ومع إعلان أسماء المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة الجزائرية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فاجأ "مجمع النهار" متابعيه بـ"دعم المرشح علي بن فليس"، وشن في المقابل هجوماً على المرشح المستقل عبد المجيد تبون.
ما اضطر مديرية حملة تبون لإصدار بيان تنديد، وقررت منع القناة من تغطية الحملة الانتخابية لعبد المجيد تبون، ووجهت شكوى لـ"سلطة السمعي البصري والسلطة المستقلة للانتخابات" ضد "قناة النهار" واتهمتها بـ"تجاوز أخلاقيات الحملة الانتخابية" التي تم التوقيع عليها أوائل ديسمبر/كانون الأول 2019 من قبل المرشحين والمؤسسات الإعلامية المحلية.
وتبقى شخصية الإعلامي "أنيس رحماني" من أكثر الشخصيات الغامضة والمثيرة للجدل في الوسطين الإعلامي والسياسي بالجزائر، حتى أنه اعترف بذلك في مقولة نشرها على موقعه الخاص ذكر فيها: "في هذه الحياة اخترت الطريق الأصعب وكنت أعرف الثمن الذي يتوجب علي دفعه".
aXA6IDMuMTI5LjY3LjI0OCA= جزيرة ام اند امز