أهم ما يقلق الأتراك الآن هو احتمال المواجهة العسكرية التركية الأمريكية في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية.
تزايد في الآونة الأخيرة عدد الكتابات والتحليلات التركية التي تتحدث عن مفاجآت محتملة في مسار العلاقة بين أنقرة ودمشق لأكثر من سبب ومؤشر، بينها:
- لغة التصعيد التي اعتمدها النظام السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية ووصفها بمجموعات الخونة التي تنسق مع القوات الأجنبية الموجودة بصورة غير شرعية فوق الأراضي السورية.
- تجنب بشار الأسد وبطلب مباشر من موسكو مهاجمة الوجود التركي العسكري في شمال سوريا، كما فعل في السابق أكثر من مرة، فالأسد يتحدث عن "الخونة" الذين ينسقون مع أمريكا في سوريا، ولكن روسيا تمنعه من توسيع دائرة الاتهامات في هذه المرحلة ضد تركيا، فهل هو مؤشر آخر حول احتمال تبدل المواقف والمعادلات في العلاقة التركية السورية سيظهر إلى العلن ما أن تنتهي اجتماعات الأستانة 8 هذه المرة؟
- انتشار تسريبات إعلامية تركية تتحدث عن زيارة غير رسمية لوفد سياسي تركي قريبا إلى دمشق بهدف بحث موضوع عفرين وشمال سوريا وقطع الطريق على مشروع التمدد والنفوذ المتزايد لحزب الاتحاد الديمقراطي هناك، واحتمال أن تكون الزيارة استكمالية لوفد حزب "وطن" اليساري العلماني المعارض، برئاسة دوغو برينشاك الذي سبق وقام بزيارتين علنيتين إلى دمشق حتى الآن.
هل علينا أن نتوقع "وساطة" روسية بالتنسيق مع مجموعات تركية يسارية ماركسية التوجه تحولت نحو الأتاتوركية، في غطاء سياسي حزبي جديد هو حزب "وطن" الذي يقف إلى جانب الحكومة في سياساتها السورية الجديدة؟
- تدهور الوضع العسكري على جبهة إدلب – عفرين بعد أيام فقط على وضع الأسد لقوات سوريا الديمقراطية على لائحة الخونة، خصوصا في المناطق المتاخمة لعفرين، حيث تزايد القصف المدفعي التركي لمواقع قوات سوريا الديمقراطية في المدينة.
أمام كل هذه التحولات يبقى أن نقول إن أهم ما يقلق الأتراك الآن هو احتمال المواجهة العسكرية التركية الأمريكية في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، لا بل كثر هم الأتراك الذين يرون أن المواجهة غير المباشرة بين الحليفين التركي والأمريكي اندلعت منذ أشهر عسكريا واستخباراتيا على أكثر من خط تماس توجد فيه قوات سوريا الديمقراطية في منبج وجرابلس وكوباني والقامشلي، وأن انتقال المواجهة إلى اشتباك مباشر باتت مسألة وقت تتعلق بمن الذي سيطلق الرصاصة الأولى؟
في المقابل هناك تقارير استخباراتية تركية تتحدث عن محاولات أمريكية لإشعال مواجهة عسكرية بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية على أكثر من جبهة، تتقدمها جبهة عفرين التي ستفتح الطريق أمام دخول أمريكي أوسع على خط الأزمة السورية خصوصا باتجاه التفاهمات الأمريكية الروسية، فهل تتحرك أنقرة نحو قبول رسائل الغزل التي وجهها النظام في الآونة الأخيرة، عندما اتهم قوات سوريا الديمقراطية التي تنسق مع الأمريكيين بالخيانة وتجنب الحديث عن بقية الفصائل التي تنسق مع تركيا مباشرة؟
المؤكد هو أن الأسد يوجّه من خلال روسيا رسائل إلى أنقرة أن مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا لا بد أن تكون عبره وأنه على أنقرة قبول ذلك، والإسراع في فتح أبواب التنسيق معه إذا ما كانت تبحث عن تعطيل أي مشروع انفصالي كردي في شمال سوريا.
والمؤكد أيضا أنه لا تفاهم "تركي روسي" حول عفرين قبل أن تحسم المسألة في إدلب، وهذا ما يعكس حقيقة التباعد التركي الروسي في لقاءات الأستانة حول مَن سيدخل إدلب مقابل المساومة على عفرين، تركيا قد تتساهل في إدلب مقابل ضمانات نهائية في عفرين، وهاجسها الأول هو احتمال وجود تفاهمات روسية إيرانية أو روسية أمريكية بعيدا عن الأضواء في موضوع المدينتين.
أنقرة ترى أن الانسحاب الروسي من عفرين هو لصالح النظام قبل أن يكون لصالحها، لكنها لا تعرف ما إذا كانت هناك صفقة روسية أمريكية أكبر في موضوع خارطة سوريا العرقية والدينية والدستورية؟
هل من الممكن أن تسمح موسكو للنظام في سوريا بعرقلة مشروعها الفيدرالي هناك، عبر التصعيد ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؟ أم هي مجرد رسالة روسية إلى الأكراد أن موسكو جاهزة للتوسط بينهم وبين النظام في دمشق؟
أنقرة ترى أن الانسحاب الروسي من عفرين هو لصالح النظام قبل أن يكون لصالحها، لكنها لا تعرف ما إذا كانت هناك صفقة روسية أمريكية أكبر في موضوع خارطة سوريا العرقية والدينية والدستورية؟
بعد الانتهاء من قمة الأستانة سنعرف إذا ما كانت تركيا قد حسمت موقفها على خط إدلب - عفرين مع الروس أم لا؟ وعدم انبعاث الدخان الأبيض هذه المرة يعني أن التوتر التركي الروسي سببه ليس فقط تناقض المواقف والحسابات التركية الروسية، بل خارطة التحالفات المحلية والإقليمية القابلة للتحول بين لحظة وأخرى في المربعات السورية التي حوّلتها موسكو إلى أدوات صفقة وأوراق مساومة مع أكثر من لاعب محلي وإقليمي وكل طرف تساومه بشكل منفصل عن الآخر.
سؤال آخر مازال عالقا ينتظر الإجابة: هل الرسالة التي وجهها الأسد إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تتم بطلب روسي ومظروفها هو أنقرة أيضا لتذكيرها بأن ورقة التفاهمات في إدلب وعفرين لا يمكن أن تتم دون تقارب وتعاون تركي مع النظام في سوريا؟
أم أن موسكو قررت لعب ورقة النظام ضد قوات سوريا الديمقراطية لتذكيرها بأن ذريعة التمدد والانتشار في شمال سوريا وشرقها تحت غطاء الحرب على داعش قد انتهى مفعولها، ولا بد من العودة إلى الواقعية التي تتطلب مغادرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكثير من الأراضي التي سيطرت عليها، لأن التسويات المرتقبة في سوريا تتطلب ذلك، وأن مناطق آبار البترول والغاز الواقعة تحت سيطرة الأكراد في شمال وشرق سوريا ستكون خارج أية مساومة سياسية أو دستورية في المرحلة الانتقالية.
مسألة أساسية أخرى مازالت تحتاج إلى توضيح، هل ستسمح القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا بمواجهة قد تقع بين قوات النظام ووحدات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حليفها المحلي؟ العقبة هي إذا أنه بقدر ما تريد واشنطن المواجهة العسكرية بين قوات صالح مسلم والقوات التركية، فهي قد لا تكون قادرة على قطع الطريق أمام مواجهة أخرى بين القوات الكردية وقوات النظام إذا ما حصلت التفاهمات التي تريدها موسكو بين أنقرة والنظام في دمشق.
طمأنة أنقرة لموسكو في موضوع فتح الطريق أمام "مؤتمر الحوار الوطني السوري" المرتقب، بدأت موسكو توجه الدعوات لانعقاده في منتجع سوتشي في فبراير/شباط 2018 المقبل وحسم موضوع تذويب "هيئة تحرير الشام" في إدلب، قد تكون ضمانات متبادلة تمهد للتسويات، لكنها قد تحمل معها سقوط كل المكعبات في هذه اللعبة الحساسة والخطيرة.
مشكلة الأتراك الذين يبحثون عن إنقاذ عفرين قد تكون أكبر واهم إذا ما أعلنت موسكو تمسكها بمسودة الدستور السوري الذي تروج له، والذي يرى في الأقلية الكردية أنها الأقوى والأهم بعد العرب في سوريا.
هل الثمن الذي ستتحمله تركيا هو صفقة كردية مع النظام تعد لها موسكو وستفاجئ أنقرة بها بعد تسليم عفرين للنظام بدل الدخول العسكري التركي إليها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة