للوهلة الأولى.. يبدو أن المغامرة التركية لاجتياح الشمال السوري بذريعة محاربة "الإرهاب الكردي" ماضية قدماً في تحقيق أهدافها
للوهلة الأولى.. يبدو أن المغامرة التركية لاجتياح الشمال السوري بذريعة محاربة "الإرهاب الكردي" ماضية قدماً في تحقيق أهدافها، لكن الوقائع تشير إلى أن الأمر ليس كذلك، وأن هذه المغامرة قد تنتهي بكارثة لأنقرة ذاتها، بعد أن وجدت نفسها بين فكي كماشة، الضغوط الميدانية والعسكرية من جهة، والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى.
تتوالى الضغوط السياسية والدبلوماسية على أنقرة، فإلى جانب المعارضة القوية في الكونجرس الأمريكي وحتى البيت الأبيض لسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، علاوة على تهديدات ترامب بفرض عقوبات قاسية على أنقرة، وتدمير الاقتصاد التركي إذا لم تستجب لوقف عملية الغزو
بعد نحو عشرة أيام على بدء عمليات الجيش التركي والفصائل الموالية له شمال شرقي سوريا، بات من الواضح أن عناد أنقرة، بل إصرار أردوغان على تحدي إرادة المجتمع الدولي برفض وقف مغامرته العسكرية وسحب جيشه من الأراضي السورية ليس سوى مكابرة لحفظ ماء الوجه، بانتظار حل ما، قد يأتي إما عبر واشنطن أو موسكو، والأرجح أن يكون عبر الأخيرة؛ لأن أي عرض من واشنطن يقتضي التفاهم مع الأكراد، وهو ما يضرب "مصداقية" أنقرة وعمليتها العسكرية في الصميم، بينما أي حل تطرحه موسكو يقتضي التفاهم والتنسيق مع دمشق؛ حيث تتحدث الإدارة الروسية عن إمكانية عقد اجتماع أمني (تركي-روسي) في "سوتشي"، وقد صدرت مؤشرات مهمة عن أردوغان نفسه في هذا الاتجاه، حين قال في تعليقه على انتشار الجيش السوري في منبج وعين العرب (كوباني) إلى جانب الرقة والطبقة: إن الأمر ليس سلبياً طالما أنه يبعد "الإرهابيين" الأكراد عن الحدود التركية.
انتشار الجيش السوري بالاتفاق مع الأكراد في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لم يحقق فقط مكاسب هائلة لدمشق على طريق استعادة كامل مناطق شرقي الفرات، بما في ذلك المناطق النفطية والزراعية، والتي تعد سلة غذاء القطر السوري إلى كنف الدولة الأم، بما يمكنها من مواجهة العقوبات المفروضة عليها، وإنما يعرقل عملية الغزو التركي بكاملها، ذلك أن اتحاد الجيش السوري مع المقاتلين الأكراد وحلفائهما من مقاتلي العشائر المحليين والقوات الرديفة في مواجهة الجيش التركي وحلفائه يمثل تحولاً استراتيجياً في معادلة الصراع.
وعلى الجانب الآخر، تتوالى الضغوط السياسية والدبلوماسية على أنقرة، فإلى جانب المعارضة القوية في الكونجرس الأمريكي وحتى البيت الأبيض لسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، علاوة على تهديدات ترامب بفرض عقوبات قاسية على أنقرة، وتدمير الاقتصاد التركي إذا لم تستجب لوقف عملية الغزو، هناك تحرك أوروبي لافت لفرض عقوبات إضافية بدأتها بالفعل عدة دول أوروبية بوقف مبيعات السلاح، وإن كانت أوروبا تنطلق في تحركها من مخاوف فرار مسلحي "داعش" من السجون الكردية، وإعادة تجميع صفوفهم وانبعاثهم من جديد بما يمثله ذلك من ضياع سنوات في محاربة التنظيم الإرهابي، وما يشكله من خطر داهم على الأمن الأوروبي.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة