القشة التي قصمت ظهر البعير كانت حادثة القس الأمريكي برانسون المسجون في تركيا وقرار تطبيق العقوبات الأمريكية ضد تركيا.
"نحمد الله ونشكره لقد تخلصنا من شراكتنا الاستراتيجية مع تركيا ".. هكذا عَنْوَن ستيفن كوك أحد كبار المتخصصين الأمريكيين في الشأن التركي مقالته الأسبوعية قبل أيام.
التشخيص في أسباب التباعد بين أنقرة وواشنطن يقول إنه أمام المتغيرات الإقليمية والدولية لم تعد وجهات النظر التركية والأمريكية متطابقة حيال الكثير من الأزمات والملفات والمخاطر المحدقة، وأن التصعيد الكلامي الحالي سيتحول عاجلا أم آجلا إلى مبارزة مباشرة.
المواجهة هي مع ترامب وإدارته في العلن لكن العديد من المؤسسات المالية العالمية مثل «ستاندرد أند بورز» ترى أن الاقتصاد التركي يكابد من الديون الخارجية والتضخم وفقدان الليرة لحوالي 35 بالمئة من قيمتها خلال الأشهر الأخيرة، وأن هذا التصعيد يثير قلق المستثمرين الأجانب، حيث تحتاج تركيا إلى مائة مليار دولار من أجل تعويم وضعها الاقتصادي.
التلويح بإغلاق قاعدة "إنجرليك" العسكرية التركية أمام الاستخدام الأمريكي والرد عبر تجميد تسليم مقاتلات إف-35 إلى تركيا، يؤكد أن الأبواب مفتوحة لاحتمال تدهور العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي أيضا، وأن واشنطن لن تقبل بوقوف العواصم الأوروبية والغربية على الحياد
القشة التي قصمت ظهر البعير كانت حادثة القس الأمريكي برانسون المسجون في تركيا وقرار تطبيق العقوبات الأمريكية ضد تركيا، لكن في أسباب التوتر الحقيقي يأتي التلويح التركي الدائم بالذهاب أكثر نحو روسيا وإيران والصين والتباعد في الملف السوري.
المفاجأة الحقيقية قد تكون لاحقا وعندما تطالب الإدارة الأمريكية العواصم الغربية بحسم موقفها أمام تمسك أنقرة بصفقة صواريخ إس ٤٠٠ مع روسيا، وإصرارها على عدم الالتزام بقرارات العقوبات ضد ايران، لا بل أن التصعيد الحقيقي سيكون تحت سقف حلف شمال الأطلسي حيث سيصعب الاستمرار هناك عندما تتضارب المصالح والمواقف الأمنية والاستراتيجية للبلدين .
التلويح بإغلاق قاعدة "إنجرليك" العسكرية التركية أمام الاستخدام الأمريكي والرد عبر تجميد تسليم مقاتلات إف-35 إلى تركيا، يؤكد أن الأبواب مفتوحة لاحتمال تدهور العلاقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي أيضا وأن واشنطن لن تقبل بوقوف العواصم الأوروبية والغربية على الحياد .
مصطلح الشراكة الاستراتيجية بين أنقرة وواشنطن تلقى ضربات موجعة في العمق، فمستشار أردوغان الإعلامي النور شفيك يقول إن أبواب الحوار التركي الأمريكي لم تغلق وأن اللوبيات الناشطة في البلدين تتحرك لقطع الطريق على توتر العلاقات أكثر من ذلك، لكن أردوغان يردد منذ فترة أن البعض وبعدما فشل في استهداف تركيا عبر المحاولة الانقلابية في منتصف شهر يوليو عام 2016 ها هو يحاول اليوم مرة أخرى عبر عملية انقلاب اقتصادي هذه المرة.
أنقرة التي تعتمد اُسلوب "ضربة على الحافر وأخرى على المسمار"، تحاول تهدئة روع واشنطن عبر إرسال وفد دبلوماسي أمني إلى العاصمة الأمريكية لكنها ومع أردوغان تواصل التحدي والتصعيد في وجه “المؤامرة الأمريكية” و“الطعن في الظهر والخيانة من شريك استراتيجي في الناتو".
تركيا تعد للرد على واشنطن عبر استضافة القمة الرباعية الروسية الألمانية الفرنسية التركية لمناقشة الكثير من الملفات الإقليمية وعلى رأسها الملف السوري، والرهان على التقارب والانفتاح مجددا على العواصم الأوروبية مثل برلين وباريس ولندن واجتماع قمة الأستانة الثلاثي المرتقب في طهران لتكريس التعاون التركي الروسي الإيراني، وزيارة الرئيس التركي أردوغان إلى برلين في أواخر الشهر المقبل التي قد تسهم كلها في إنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور وتواجه التمدد والانتشار الأمريكي أوروبيا، لكن من قال إن واشنطن ستتريث وتنتظر دون حراك سياسي أمني واسع لتهديد مصالح أنقرة في أكثر من مكان .
العدالة والتنمية يريد تحويل الأزمة إلى فرصة تجارية اقتصادية استراتيجية يلعبها مع العواصم الأوروبية والمجموعة الآسيوية في شنغهاي وبريكس على السواء، هي مغامرة كبيرة ليست جديدة على أسلوب أردوغان في السير على الحافة وقبول المخاطرة، لكن ترامب لا يتأخر في الرد بدوره معلنا أن الإجراءات العقابية ستستمر إذا لم تفرج أنقرة عن القس المحتجز لديها منذ نحو عامين، وأن تركيا لا تتصرف كصديق للولايات المتحدة وهي تريد أن تأكل من كل الصحون على الطاولة الإقليمية.
في تاريخ الأزمات التركية الأمريكية كان هناك دائما دبلوماسية الصوت الهادىء البعيد عن الاعين الذي يحول دون انقطاع خط التواصل بين البلدين مهما توترت وتدهورت العلاقات، هي اللوبيات الاقتصادية ومراكز القوى الأمنية والعسكرية التي كانت تتدخل في آخر لحظة لامتصاص التصعيد وتبريد الأجواء، لكن دبلوماسية الباب الخلفي لم تسفر عن اية نتيجة حتى الآن.. واقتراح وضع العلاقات المتوترة في الثلاجة الدبلوماسية لم يلق آذانا صاغية في الجانبين.
ترامب لا يتكلم في التفاصيل لا يعطي أية معلومات حول ما جرى ويجري يغرد مهددا متوعدا فقط، مصطلح الشراكة التركية الأمريكية يتعرض للذوبان، الخطر الحقيقي الذي لن يستطيع أحد إيقافه سيكون عندكا تتحول الشراكة الاستراتيجية إلى العداوة الاستراتيجية .
القيادات السياسية التركية بدأت تتحدث عن بدائل استراتيجية بقيمة 3 ترليونات دولار من خلال الانفتاح على منظمتي "بريكس وشنغهاي"، ولم يعد أحد في الطرفين يسأل أين ومتى سيستخدم العقل والفراسة فكلاهما يلمح إلى المبارزة والفروسية .
الوجه العلني للأزمة هو ملف القس برانسون المسجون منذ 20 شهرا في تركيا بتهمة التجسس ودعم التنظيمات الإرهابية، لكن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو يقول لا فرص لحل الأزمة مع العقلية الأمريكية الموجودة اليوم.
الحديث يدور الآن حول احتمال لقاء الرئيسين الأمريكي والتركي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المقبلة لكن هناك أسابيع طويلة تفصلنا عن اجتماعات نيويورك واحتمالات وقوع الكثير من الأحداث والمفاجآت الكبيرة.
ما يتجاهله الإعلام التركي المقرب من الحزب الحاكم هو دخول إسرائيلي واسع على خط الأزمة في الوقوف الواضح إلى جانب واشنطن، عبر تدابير التشدد الواسعة في دخول السائحين الأتراك إلى القدس بعد حادثة توقيف بعض المواطنين الأتراك بتهمة نقل الأموال إلى تنظيمات فلسطينية ناشطة وقطع الطريق على محاولة لعب هذه الورقة داخليا وخارجيا من قبل القيادات السياسية التركية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة