مبادرة شباب تنظيم الإخوان تحاول أن تسوق للرأي العام شيئا مختلفا عن فكر القيادة العليا للجماعة الإرهابية، وهو أمر غير حقيقي.
مبادرة شباب تنظيم الإخوان تحاول أن تسوق للرأي العام شيئا مختلفا عن فكر القيادة العليا للجماعة الإرهابية، وهو أمر غير حقيقي، فشباب الإخوان القوى الفعلية تنظيميا، ووجودهم يعتبر أساسيا في كافة أذرع التنظيم، بدءًا من المجتمع وصولا لمكتب الإرشاد، إضافةً إلى الجناح المسلح أو تنظيمات كـ"حسم ولواء الثورة وكتائب حلوان"، ويواجهون حاليا عقوبة السجن بناء على القانون المصري لارتكابهم جرائم مختلفة شملت القتل والتخريب وممارسة العنف تحت إطار أعمال إرهابية.
التنظيم المركزي للإخوان أعلن عن منح هؤلاء الشباب رخصة "جمال عبد الناصر"، وهي تلك الرخصة التي استتر خلفها آنذاك غالبية أعضاء الجماعة هروبا من الملاحقة القضائية، حيث أعلنوا انفصالهم من الجماعة وندمهم على الانضمام لها، بالإضافة إلى اعتزالهم العمل الإخواني.
لا شك أنها تُقْية سياسية لإحياء الجماعة وتفعيل دورها، بل توجهها إلى العمل السري والتسلل إلى المجتمع لاستعادة ما جاء في أديباتهم من تمكين، وبالتالي فهذه المبادرة تعتبر محل شكوك أمنية كبيرة، لأنها تكرار لمبادرة أطلقت في الخمسينيات من القرن العشرين.
جاء في هذه المبادرة أنه في حال قبول النظام الحاكم في مصر سيتم إعلان حل الجماعة نهائياً، مؤكدة عدم ممارسة عناصر الإخوان وقياداتهم أي نشاط خيري أو سياسي أو دعوي أو نقابي أو ديني أو مجتمعي إلا من خلال الهيئات أو المنظمات أو المؤسسات أو الجمعيات المصرح لها العمل في هذا المجال ووفقا للقانون المصري، على أن يتم منع جميع قيادات مكتب الإرشاد ومكتب شورى الجماعة من أي نشاط بشكل نهائي.
هذه الرسائل وتلك المبادرة وما تضمنته من نقاط ليست مرشحة للنجاح، ولن تقبل بها الدولة المصرية لأنها شكل من أشكال الضغط بعد تفكك قيادات تنظيم الإخوان وخروجهم من مصر وحدوث انشقاقات بين القيادات الموجودة في لندن وتركيا، وهو ما جعل شباب الإخوان في مأزق
لكن نجد المبادرة تحدثت في موضوع آخر عن السماح لهم بإشهار جمعية خيرية باسم الإخوان المسلمين تعمل وفق النظم والقوانين المصرية وتحت رقابة الدولة، فكيف ستكون جماعة الإخوان محظورة ثم تتحول إلى جمعية خيرية؟ المشكلة ليست في جمعيات أو تنظيمات، المشكلة في أشخاص يؤمنون بعقيدة وإيديولوجية إخوانية، وما هذه المبادرة إلا سبيل العودة للعمل تحت ستار العمل الاجتماعي أو الخيري.
حديث المبادرة المسهب عن معاناة الشباب وأسرهم وعرض الصور المختلفة هي محاولة للتأثير على المجتمع المصري عاطفيا، لهذا رفعوا شعارا يلامس مشاعر الشعب، وهو أن مبادرتهم هدفها مقاومة خطر التطرف والإرهاب والوصول لحالة السلم المجتمعي للحفاظ على استقرار مصر ومؤسساتها وحماية الشباب داخل وخارج السجون من الانجراف وراء هذه الأفكار التكفيرية.
فهل يعقل أن من زرع التطرف والعنف والإرهاب فكراً وممارسة يتحول فجأة إلى أداة سلام تسعى للقضاء على التطرف؟ كما أنه كيف يتبرأ هؤلاء الشباب من جميع أعمال الجناح المسلح للإخوان وهم في الأساس عناصر فاعلة في هذا الجناح ومختلف لِجانه النوعية وهم من قاموا بالعديد من الأعمال الإرهابية؟ وكل الذين خرجوا من السجون في عهد السادات، وكل الذين أفرج عنهم بعد المراجعات الشهيرة للجماعة الإسلامية في عهد مبارك، وكل الذين أفرج عنهم القذافي بعد مراجعاتهم المزعومة عادوا أكثر حقداً وإرهاباً وأكثر تطرفاً وعنفاً. كما أنهم لم يطرحوا أو يقدموا أي اعترافات حقيقية أو مراجعات فكرية تنتقد فكر وأدبيات الجماعة كحسن البنا وسيد قطب وعبد الكريم زيدان ومنير الغضبان، ما يعني أنها مجرد تقية سياسية.
طالبت المبادرة التي تعتبر مقايضة سياسية "العفو مقابل الدولار" بعفو رئاسي شامل على كل العناصر الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية في الأحداث المختلفة بداية من ثورة يناير/كانون الثاني 2011 ومروراً بجميع الأحداث التي تبعتها، بالإضافة إلى إيقاف التحقيق مع جميع العناصر الإخوانية في النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة أو النيابة العسكرية. لكن أثيرت تساؤلات عدة حول اقتراح دفع 5000 دولار أمريكي لكل عنصر إخواني في السجن كمقايضة، مما سيوفر للدولة مبالغ مالية تزيد على خمسة مليارات جنيه كأقل تقدير بناء على تقديرات الإخوان، فهل هناك 60 ألف إخواني في السجون المصرية؟
هذا أمر غير حقيقي وفيه تشويه للواقع، إلا إذا كانوا يقصدون أيضا الهاربين خارج الحدود في تركيا وماليزيا وليبيا وسوريا وأوروبا وغيرها، والسؤال الآخر من أين لهم هذه المبالغ المالية وهم من عائلات متوسطة، ومن يقف خلفها هل التنظيم الدولي أو دول داعمة لتيار الإسلام السياسي؟
المبادرة محاولة للضغط على الحكومة بهدف تمرير قضية المصالحة، وهي أيضا واحدة من أهم أساليب المناورات السياسية التي تجيدها الجماعة، بحيث تسمح لجزء من شبابها بالعمل الميداني المسلح، ولجزء آخر بطرح مبادرات التصالح مع الدولة المصرية، معلنةً أن هؤلاء الشباب لا يمثلون الجماعة.
وفي حال نجاح العمل الشبابي المسلح في إحداث تغيير تحسم المعركة السياسية لصالح الجماعة، يخرج القيادات للإعلان عن أن شبابها هم من أحدثوا هذا النجاح، وكذلك إذا نجحت مبادرتهم في إقناع الدولة وأجهزتها بالمصالحة بما يصبُّ في صالح أعضاء الجماعة ستعلن قياداتهم أن هذه المبادرة خرجت من بين أضلعهم. فهي بمثابة "بالون اختبار" للدولة المصرية، بحيث إذا قُوبلت بالرفض بطبيعة الحال فلن تكون جماعة الإخوان الإرهابية قد خسرت شيئًا حينها؛ لأنها لم تعلن رسميًّا عن أيٍ من هذه المبادرات.
ورغم ما حققته هذه المبادرة وتلك الرسائل من ضجة إعلامية في مصلحة الإخوان حيث أعادتهم مرة أخرى للمشهد العام، وكما ظهرت بعض الأصوات "الخافتة" على استحياء تطالب بمنح الشباب فرصة جديدة للاندماج في الحياة العامة، لكن غالبية الشعب والتيارات السياسية رفضت هذه المبادرة بشدة. وهذه الرسائل وتلك المبادرة وما تضمنته من نقاط ليست مرشحة للنجاح، ولن تقبل بها الدولة المصرية لأنها شكل من أشكال الضغط بعد تفكك قيادات تنظيم الإخوان وخروجهم من مصر وحدوث انشقاقات بين القيادات الموجودة في لندن وتركيا، وهو ما جعل شباب الإخوان في مأزق، كما أن التخلي عنهم جعل الخيارات أمامهم محدودة، في الوقت نفسه تتعامل معهم الدولة ضمن الإطار القانوني المعمول به في مصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة