الدول العربية جربت التعامل مع بايدن منذ أن كان في ولاية الرئيس السابق أوباما، ومن ثم فإن فإنه توجهاته معروفة للعالم العربي بصرف النظر.
في خضم ما يجري أمريكا، ويتعلق بإدارة العملية الانتخابية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي والجدال المستمر حول قضايا الداخل الأمريكي سواء كانت الصحية والمعيشية والضرائبية والمالية، يصبح السؤال حول طبيعة المصالح العربية الراسخة كيف ستكون مع أي رئيس سيحكم البيت الأبيض في السنوات المقبلة
وذلك بصرف النظر عن احتمال استمرار الرئيس الحالي ترامب، أو جاء المرشح الجمهوري جو بايدن.
خاصة وأن الدول العربية جربت التعامل مع بايدن منذ أن كان في ولاية الرئيس السابق أوباما، ومن ثم فإن فإنه توجهاته معروفة للعالم العربي بصرف النظر عما يطرحه الآن من أولويات ومهام وقضايا رئيسية تخص القضية الفلسطينية والقضايا العربية مثل أمن الخليج والملفات الليبية واليمينية، والعلاقات مع إيران والقوي الإقليمية والدولية الأخرى، والتي تراقبها الحكومة الإسرائيلية عن قرب وتنتقد كثيرا من أفكاره وترى أنها ماسة بمصالحها العليا برغم أن اسرائيل كدولة ليست محل اختلاف بين الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي.
حيث ترى الحكومة الإسرائيلية أن الحزب الجمهوري، وجون بايدن شخصيا ما زال ينتقد سياسة التوسع الاستيطاني، واستمرار مخطط الضم، مع التوقع أنه سيثار عقب اجراء الانتخابات على المستويين الديمقراطي في حال فوز بايدن، أو الجمهوري في حال فوز ترامب.
إن التقييم الإسرائيلي أن الحكومة الحالية ستواجه حالة رفض ديمقراطي للتماهي مع الطرح الإسرائيلي في ملف الاستيطان الراهن، والتجاوب مع إمكانية استئناف العمل في بناء وحدات استيطانية جديدة، أو العمل من جانب واحد، ورفض تبني خيارات انفرادية مع مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، ومعالجة الأزمة الراهنة في قطاع غزة في ظل اتجاه الحزب الديمقراطي للتأكيد على فتح قنوات تعامل جديدة مع الجانب الفلسطيني.
وهذا هو أمر مهم خاصة وأن بايدن ربط ذلك بمعارضة الضم والدعوة لفتح قنصلية للولايات المتحدة في القدس الشرقية، وفي نفس الوقت رفض مشروعات أو تشريعيات تدعو لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وكذلك التأكيد علي خيار حل الدولتين لضمان حق الفلسطينيين بدولتهم من جهة، ولأمن إسرائيل في المدى البعيد، مع التأكيد على أن جون بايدن كان قد لعب دورا مهما ومباشرا في تقديم إدارة الرئيس أوباما 39 مليار دولار من الدعم العسكري علي مدار 10 سنوات .
لدي الحكومة الإسرائيلية هاجسا في احتمال رفض الاستمرار في تنفيذ أفكار الخطة الأمريكية للسلام والازدهار في الشرق الأوسط، والتي طرحت منذ سنوات، وتم اعتمادها أمريكا للتعامل برغم الرفض الفلسطيني، وتحفظات بعض الدول العربية، ومن المحتمل أن يذهب جون بايدن حال فوزه في الانتخابات المقبلة لوضع مسارات / خطط بديلة سبق وأن طرحت أثناء ادارة الرئيس أوباما، ولم يتم تسويقها دوليا، فيما عرف بـ"رؤية أوباما" للمفاوضات العربية الإسرائيلية .
في هذا الإطار يروج الإعلام اليهودي في الولايات المتحدة بأن أي رئيس ديمقراطي سيكون هو الأفضل، وسيكمل مسار ما تم طرحه في عهد الرئيس ترامب، لاعتبارات متعلقة بسجل بايدن شخصيا، فصحيح أنه كان عضوا في الشيوخ، ومؤيدا بقوة للحق الإسرائيلي، وأمن الدول العبرية إلا أن الأمر سيختلف تماما في حال وصوله للبيت الأبيض حتى مع إقراره بأنه سيبقى السفارة الأمريكية في القدس، وفي الاجمال فإن الحزب الديمقراطي هو أكثر ميلا إلى اليسار، وأقل تعاطفا مع إسرائيل، كما أن الاغلبية الكبيرة من اليهود الأمريكيين تصوت لصالح الحزب الديمقراطي، وأن هذا الأمر ما زال موجودا وقائما، وأن الحكومة الإسرائيلية تراقب أنماط التصويت ومؤشراته وتتعامل من هذا المنطلق، ولكن هناك مخاوف من احتمالات تغير الأمر وتبدل الولاءات لاعتبارات مرتبطة بالحالة المزاجية للناخب اليهودي، برغم التسليم بوجود ثوابت تحكم هذا التصويت الأوتوماتيكي .
رجوعا للأصل فإن خطة بايدن التي توجه بها لإسرائيل والولايات المتحدة "جون بايدن والمجتمع اليهودي"، تركز على الالتزام الكامل بأمن اسرائيل، محاربة السامية وحماية الشعب اليهودي، تعزيز الشراكة الأمريكية الإسرائيلية، العمل على رفع المساعدات العسكرية لإسرائيل، مد إسرائيل بكافة أنظمة الدفاع والأمن الاستراتيجي، الإبقاء علي القدس كعاصمة موحدة للجانب الإسرائيلي أي لن يكون عليها أية مفاوضات أو ترتيبات أمنية جديدة بشأن مستقبلها.
وما تزال الرهانات المتوقعة تصب في اتجاهين الأول: إذا انتخب الرئيس ترامب مجددا فسيتم تسريع الاتصالات المشتركة، وإقامة علاقات إسرائيلية مع دول عربية أخرى والثاني: حال وصول جو بايدن فقد تصل إلى توقف الاتصالات، أو ابقائها في دائرة محددة لبعض الوقت، ولحين اتضاح الأمر خاصة مع مسعي الرئيس الأمريكي ترامب لاستمالة قاعدة انتخابية مهمة تتمثل في المسيحيين الإنجيلين.
في مقابل ذلك فإن استمرار الرئيس الأمريكي ترامب سيعني استمراره في مخططه للسلام في الشرق الأوسط كما بدأ في ولايته الثانية في مواجهة إيران والبدء جديا في تحقيق مكاسب حقيقية في الشرق الأوسط والتعامل مع أعقد الصراعات في العالم، وفي كل الأحوال فإنه سيحدث اختراقا حقيقيا في التعامل مع الأزمات العربية ، وإن كان مستبعدا أن يصل إلى حلول وتسويات دائمة، وإنما ستكون تسويات منقوصة .
في إطار هذه المنظومة المعقدة فإن الدول العربية قادرة على تحقيق مصالحها مع أي إدارة أمريكية شريطة تحديد أولوياتها ومواقفها بصورة حاسمة وفقا للمبدأ النفقة والتكلفة والعائد في ظل رهانات حقيقية على ما سيجري، ويتعلق مسارات واتجاهات العلاقات العربية الأمريكية من جانب والعلاقات مع القوي الإقليمية والدولية علي جانب آخر حيث تملك الدول العربية معطيات حقيقية في لعب دور وفاعل ومؤثر في المشهد الدولي الذي ما زال يتصف بحالة من السيولة، ولهذا يتوقع أن السياسة الخارجية لبايدن في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية ستكون بمثابة فترة رئاسية ثالثة للرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة