يمكن للعاطفة أن تفسد أموراً كثيرة، لكن تأثيرها على الدين والسياسة هو الأخطر حيث تختفي الحقائق ويهيمن الانفعال ويبرز المتسلقون.
العاطفة لدى العرب متجذرة وأصيلة، وتعلب دوراً هاماً في اختيارات الأفراد وسلوكهم، منذ الطفولة وحتى آخر يوم في حياتهم يمكن فقط أن تلقي قصيدة أو تأتي بحدث تاريخي حتى تغرورق الأعين من الدموع، هكذا جبلوا أو اعتادوا، وتستمر العواطف في تحريك البعض أو ربما الكل، ابتداء من طريقة تربيتهم، ثم في تعاملهم، فتعاطيهم مع مذاهبهم وأديانهم، في علاقاتهم المهنية وفي رأيهم السياسي، العواطف هي ما تحرك الجماهير حتى أصبح الجميع يقول شعراً ويصفف كلامه كيما يحوز الإعجاب، فالبضاعة رائجة، والعربي عاشق الكلمات الرنانة والحزينة والعبارات الموزونة الرومانسية التي تداعب مشاعره متكئا عليها لتخطي واقعه المرير كما يعتقد، والعواطف ليست بالتأكيد أمراً سيئاً، لكنها تكون كذلك حينما تعمي الأبصار عن رؤية الحقائق وتزيف الواقع من أجل نيل شيء من الرضا الآني، وترسخ عقد الدونية والمظلومية والشعور بالذنب.
العواطف الجياشة تم استغلالها لسنوات دينياً، لتنتج العنف، وتولد الكراهية، ثم تغلغلت إلى عالم السياسة فأنتجت خطباً عصماء وشعارات منمقة، لا تسمن ولا تغني، والغريب أن بعض العرب لا يزالون يصدقون تلك الشعارات السياسية البراقة متعلقين بأمل تحقيقها يوما ما، رغم أنها ولدت ميتة، ومخطئ من يقول إن العرب هم الشعوب العاطفية الوحيدة في المعمورة، فالجميع تحركه العاطفة في جزء ما من حياته، لكن ما يحدث في عالمنا العربي يفوق بمراحل أي مكان في العالم من حيث التأثير والنتائج.
يمكن للعاطفة أن تفسد أموراً كثيرة، لكن تأثيرها على الدين والسياسة هو الأخطر حيث تختفي الحقائق ويهيمن الانفعال ويبرز المتسلقون وينتشر الانحياز الأعمى لخيارات خاطئة وتنجر الجماهير وراء آراء ساذجة وسطحية، لا تنفع معها الحجج والبراهين الساطعة حيث أن بريق الكلمات وضجة التصفيق تصم الآذان عن سماع أي حجة عقلية.
الواجب على النخب السياسية في الوطن العربي أن تدرك أن المحرك العاطفي خطر داهم يواجه الأوطان والأديان، وأن التحرك عاجلاً لمواجهته بالصعود إلى العقل وبناء رؤية واقعية وتعزيز الوعي هو الطريق الصحيح، ولنا فيما حصل في بلدان عربية من تناحر طائفي وعرقي وسياسي حركته العاطفة وخلفت نتائج كارثية أكبر عبرة.
بلا شك، لا عاطفة مع السياسة، ولا تقدم مع الشعارات والخطب، هذا ما أثبتته الأيام، والمصالح العليا القائمة على المبادئ هي ما يجب أن تبنى عليه القرارات السياسية والعلاقات الثنائية، فمنفعة الوطن أولاً وأخيرا بعيدا عن الدوافع الانفعالية العاطفية، بل من منطق المكاسب الإيجابية، مادية ومعنوية، وواجب الأفراد دعم هذا التوجه من أجل حفظ المصالح العليا والارتقاء بالأوطان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة