إن الحل لوقف تمدد حالة الفوضى - ولعله الحل الوحيد - هو بتعاون عربي عربي لضبط التوازن الاستراتيجي والحفاظ على الحضور العربي.
يوماً بعد يوم تزداد التحديات في بلدان عربية، وتولد صراعات جديدة في دول عدة بسبب التدخلات الخارجية والتهاون الداخلي -أو الخيانات إن صح التعبير- من بعض أبناء شعوبها المنتمين إلى الأيديولوجيات المتطرفة، في مشهد يعيد إلى الأذهان مصطلح الشرق الأوسط الجديد، لإعادة تشكيل المنطقة وفقاً لمصالح القوى الدولية وطموحاتها التي لا تتوافق بالتأكيد مع الشعوب.
تعود نظرية الشرق الأوسط الجديد لتبرهن أنها واقع مفروض بانهيار دول وانحسار نفوذ أخرى، في أمد متسارع، ليعاد رسم الخرائط وتقسيم الأوطان بواسطة الحروب الأهلية الممولة، وانقلاب الميليشيات وتحكّمها بمفاصل الدول لتعيث في الأرض فساداً وتحقق الأهداف والمآرب الخارجية.
لقد كان الاعتقاد الشائع أن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد لن يتحقق إلا بتدخل خارجي شامل، إلا أن الفوضى الخلاقة كانت كفيلة بتحقيقه من دون التدخل العسكري المتعارف عليه، بل بزعزعة الجبهة الداخلية وإشعال الحروب الأهلية طائفية ومناطقية وعرقية، ولعل أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك، ضعف الجبهة الداخلية، فيلاحظ أن ما عرف بالربيع العربي مر على دول عدة إلا أنه لم يزعزع إلا دولا بعينها أسهم قادتها لفترة طويلة بإضعاف النسيج الاجتماعي إضافة إلى انتشار أفكار الإسلام السياسي بطريقة سهلت تداعي تلك الدول بسرعة لم يتوقعها أحد.
إن الحل لوقف تمدد حالة الفوضى - ولعله الحل الوحيد - هو بتعاون عربي عربي لضبط التوازن الاستراتيجي والحفاظ على الحضور العربي بإطفاء الحرائق التي خلفتها أزمات الربيع العربي، وإعادة الاستقرار إلى الدول المضطربة كسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين، ولن يكون ذلك إلا بالعمل على المصالحة والحوار بين أبناء الشعب وتحييد القوى الإقليمية وترسيخ قيم المواطنة والقيام بنهضة من أجل أوطان تنعم بمزيد من الأمن والأمان والاستقرار، ومزيد من الرفاه الاقتصادي، أوطان موحدة سلاحها بيد جيشها، وقرارها بيد حكومتها، حتى لا تتحقق خطة أو ربما نبوءة الشرق الأوسط الجديد المتفكك.
في المقابل، فإن عدم وجود تكتل يكون للعرب فيه مشروعهم السياسي والاقتصادي، سيؤدي إلى استمرار الأطماع واتساعها أكثر من أي وقت مضى من قبل المتربصين بمصالح العرب، لا سيما في هذه المرحلة الخطيرة، حيث تعيش المنطقة العربية حالة من الغليان والاضطراب وتفاقم الأزمات، ما سيؤدي إلى ضياع الأراضي وتشرد الشعوب ونهب الموارد، وتدمير الطاقات، ولذا فإن العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون مقدمة لقرن عربي بامتياز يتكاتف فيه العرب بعيداً عن العواطف والتاريخ والشعارات، إنما وفق مصالحهم العليا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة