مما لا شك فيه أن التظاهرات الجديدة ستضع الكاظمي بين المطرقة والسندان، حيث قام المتظاهرون بإعطاء فرصة جديدة لحكومته.
هدأت ساحات الاعتصام في بغداد والمحافظات الأخرى بسبب جائحة كورونا ووعود رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بتحقيق مطالب الشارع، وأولى الخطوات فتح التحقيقات بشأن إطلاق الرصاص الحي ومقتل 3 متظاهرين وإصابة 12 بجروح خطيرة، مما قد يعيد إلى الأذهان عادل عبد المهدي وحكومته الذي تفاقمت في عهده القصير جرائم الخطف والتعذيب وقتل المتظاهرين.
التغيير الذي حصل في عهد الكاظمي رغم أنه جاء بقرار إطلاق سراح المتظاهرين الذين تم اعتقالهم في الحكومة السابقة، هو أن هذه التظاهرات عادت من جديد إلى الشارع بسقف مطالب أعلى، وإذا تمهلت حكومته بمعالجة الأمر، فلا يُستبعد أن يلقى مصير عبد المهدي. الذي أسقطته التظاهرات الاحتجاجية.
مما لا شك فيه أن التظاهرات الجديدة ستضع الكاظمي بين المطرقة والسندان، حيث قام المتظاهرون بإعطاء فرصة جديدة لحكومته. وخطوة السيطرة على المنافذ الحدودية والموانئ والسعي لسحبها من هيمنة المليشيات المسلحة التي كانت تمول بها أنشطتها وإذاعاتها وقنواتها التلفزيونية وأسلحتها، خطوة إيجابية.
تبقى الخدمات غير متوفرة بسبب الفساد والأزمة المالية مما رفع من مطالب المتظاهرين إلى سقف أعلى، مع مطالب بمحاكمة الطبقة السياسية برمتها والتشكيك بقدرتها على إدارة الدولة التي تهيمن عليها المليشيات. ولعل عدم انتماء الكاظمي إلى أي حزب سياسي أو كتلة سياسية، له جانبان سلبي وإيجابي، من ناحية لا يندرج في خانة معينة، وفي الوقت نفسه، لا يلقى الدعم أو السند. وقد لاقت الخطوات التي قام بها الكاظمي الترحيب لدى المتظاهرين، ولكن تطبيقها على أرض الواقع يبقى عسيرا نتيجة لسيطرة قوى المليشيات على مفاصل الدولة والحكم.
أمام الكاظمي مهام كبيرة وأساسية يجب عليه القيام بها وتنفيذها على أرض الواقع: فرض سيادة الدولة، السيطرة على المال العام، إصلاح الأجهزة الأمنية، توفير الرواتب والخدمات، وإيقاف مزدوجي الرواتب، وغيرها من الملفات المتراكمة بلا حلول. كما أن التغييرات التي قام بها الكاظمي رغم محدوديتها، بعثت الذعر والخوف في الطبقة السياسية والمليشيات المسلحة التي انبرى قادتها بالقول إن مهمة الكاظمي تتحدد بالفترة الانتقالية والتحضير للانتخابات المبكرة. وإن إنجاز قانون الانتخابات وصيغته النهائية لا يعني شيئا إذ تم خرق الانتخابات وتزييفها كما حصل في عدد من الانتخابات السابقة.
في الواقع، إن الكاظمي ورث ملفات معقدة من الحكومات السابقة تتعلق بالجانب السياسي والأمني والاقتصادي والصحي والخدمي، وظلت بلا حلول عملية وواقعية مما زاد من غضب الشارع على العملية السياسية بكاملها. الجانب الأمني هو الأخطر ذلك أن عمليات الخطف والاغتيال مستمرة وتُنسب إلى مجهول دائما.
إن الحكومات التي سبقت الكاظمي ضربت بالحقوق الدستورية عرض الحائط، ولم تقم لها أي وزن وسط هيمنة المليشيات المسلحة المدعومة من إيران، بمباركة برلمان تهيمن عليه الأحزاب والكتل الفاسدة.
في هذه الأجواء، يتصاعد التوتر بين الكاظمي والفصائل الموالية لطهران على رأسها كتائب حزب الله، ومما يساعد على ذلك، الفشل في توفير الطاقة الكهربائية مع حلول فصل الصيف، مما أدى إلى عودة التظاهرات الاحتجاجية. فقد عادت المحافظات لنصب الخيام من جديد معلنة مرحلة جديدة من انطلاق المظاهرات. ويُضاف إلى ذلك أسباب أخرى منها المطالبة بتشريع حرية التعبير، وإلغاء المحاصصة الطائفية والحزبية على الوزارات ومناصب الدولة، وتقديم الفاسدين للعدالة، وإبعاد الميليشيات عن سلطة القرار العراقي، وعدم تدخل الدول الإقليمية بالشأن العراقي الداخلي. ولا يمكن تنفيذ كل هذه لأنها تعني استبدال العملية السياسية برمتها. وهذه المرة ستكون التظاهرات الاحتجاجية أكثر قوة وعزيمة من السابق ولم تتمكن عمليات الاغتيال والخطف والتعذيب من منعها أو ايقافها.
إن العملية السياسية منذ عام 2003 خلقت من العراق بلدا يتوزع على تقسيمات طائفية، ومذهبية، وعقائدية وأصبحت بديلا عن الهوية العراقية ومبدأ المواطن والوطنية، لأن الطبقة السياسية أرادت أن تحتكر المغانم لها من واردات الشعب العراقي طيلة سبعة عشر عاما.
إن التظاهرات الشعبية أثبتت أنها على حق في مسيرتها وتتوافق مع تطلعات الشعب العراقي، وأدت إلى تركيع الطبقة السياسية واستقالة عادل عبد المهدي مرغما على ذلك.
رغم الظروف المحيطة بهم ولم يفرق المتظاهرين سوى جائحة كورونا التي ألزمتهم بالحجر الصحي الإجباري حيث منحت الطبقة السياسية فرصة جديدة للبقاء. وتعمل حكومة الكاظمي على الاستجابة إلى حركة التظاهرات الاحتجاجية لأنها ضرورة حتمية لاستمرارها في تهيئة الانتخابات المكبرة التي من الممكن أن تضع العراق على الطريق الصحيح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة