القمة العربية الصينية.. خارطة طريق للنهوض بمستقبل علاقات تاريخية
قمة عربية صينية هي الأولى من نوعها، تتوج العلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية، وتؤسس لخارطة طريق لمستقبل علاقات الجانبين.
القمة تستضيفها العاصمة السعودية الرياض غدا الجمعة تحت عنوان "قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، بمشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ وقادة دول عربية.
يأتي انعقاد هذه القمة تنفيذا لما تم الاتفاق عليه في الدورة التاسعة لمنتدى التعاون العربي الصيني 6 يوليو/ تموز 2020 بعقد قمة عربية صينية من أجل الدفع بالشراكة الاستراتيجية العربية الصينية إلى آفاق أرحب، وبما يخدم المصلحة المشتركة للجانبين.
ويتزامن انعقادها مع أول قمة خليجية صينية ستعقد في اليوم نفسه تحت عنوان "قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية".
قمتان مهمتان ضمن مسارين يتكاملان ويعززان بعضهما البعض، ويؤكدان عزم الدول العربية والصين تعزيز التعاون المشترك، وتطوير العلاقات الاستراتيجية إلى آفاق أرحب، بما يحقق المزيد من النمو والازدهار والرخاء لشعوب الطرفين.
فالصين كدولة عظمى بما تملكه من تجربة تنموية رائدة وتكنولوجيا حديثة والدول الخليجية والعربية بما لها من ثقل سياسي واقتصادي وموارد نفطية وموقع استراتيجي مهم، لديهما من الإمكانات والقدرات، ما يجعل تنسيق مواقفهما سياسيا تجاه مختلف القضايا وتعزيز تعاونهما اقتصاديا وتنمويا وعلميا في مجالات عدة فرصة لبناء شراكة استراتيجية استثنائية تتحقق فيها مصالح متبادلة وفوائد مشتركة للجانبين.
تزداد أهمية تلك الشراكة في ظل التحديات والمتغيرات الدولية التي تؤكد أن تعددية الأقطاب في العالم أصبحت أمرا لا رجعة عنه، وأنه من مصلحة الدول العربية بناء شراكات استراتيجية متوازنة مع أقطاب العالم قائمة على تعزيز التعاون لمواجهة التهديدات والتحديات الجديدة.
بشكل أكثر تفصيلا، يمكن تقديم قراءة للقمة العربية الصينية وأهميتها في ضوء 3 أمور، وهي:
- العلاقات التاريخية المتنامية بين الجانبين.
- دلالة التوقيت التي تعقد فيه القمة.
- الآفاق الواعدة التي تنتظر العلاقات العربية الصينية في ضوء الحرص على استكشاف مسارات جديدة لتعزيز التعاون بينهما وتطوير التعاون القائم بالفعل.
تطوير العلاقات التاريخية
الطريق نحو "قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية" مر بمحطات عديدة تستند إلى إرث من العلاقات التاريخية والتعاون المتنامي.
وتعود العلاقات التاريخية بين العرب والصين إلى قرون مضت، حيث كان طريق الحرير القديم شريانا للتواصل والعلاقات والتعاون بين الجانبين.
رغم امتداد جذور العلاقات بين العرب والصين إلى قرون طويلة، إلا أن تدشينها في العصر الحديث يعود إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي، وذلك بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وبدء حركات التحرر والاستقلال في العالم العربي.
وفتح مؤتمر باندونغ عام 1955 الباب لإقامة العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية، بعد التواصل بين الجانبين في المؤتمر.
وفي مايو/أيار 1956، تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، كأول دولة عربية تقيم علاقات مع الصين، وهو التاريخ الذي يؤرخ لبداية العلاقات الصينية- العربية، ولحقتها بقية الدول العربية تباعا.
ومع إقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية والصين عام 1990، أتمت جميع الدول العربية إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين.
وزاد من قوة العلاقات بين الجانبين خلال تلك الفترة دعم الصين نضال الشعوب العربية في نيل استقلالها ومساندتها القضية الفلسطينية، فيما دعمت الدول العربية بكين في استعادة مقعدها في الأمم المتحدة عام 1971، وأيدت مبدأ "سياسة الصين الواحدة".
وفي عام ٢٠٠٤، شهدت العلاقات بين الجانبين نقلة نوعية بتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، والذي انطلقت أولى دوراته في العام نفسه لتعزيز التعاون والتنمية.
وتمت إقامة 17 آلية تعاون في إطار المنتدى من أبرزها الاجتماع الوزاري الذي يعقد كل عامين واجتماع كبار المسؤولين والحوار السياسي الاستراتيجي على مستوى كبار المسؤولين.
وأقامت الصين شراكات استراتيجية على مستوى ثنائي مع نحو 12 دولة عربية من بينها 4 دول هي (الإمارات والسعودية ومصر والجزائر) أقامت معها شراكة استراتيجية شاملة وهي أعلى مستويات العلاقات بين الدول.
وفي عام 2013 أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق وهي مشروع بنية تحتية ضخم يهدف إلى توسيع روابطها التجارية وتعزيز التعاون الاقتصادي من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات والمجمعات الصناعية.
وفي يونيو/حزيران عام ٢٠١٤، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تشارك الجانبين الصيني العربي في بناء "الحزام والطريق"، وساهم التعاون في بناء "الحزام والطريق" في تطوير العلاقات الصينية العربية على نحو شامل، لما لتلك المبادرة من مصالح مشتركة ومنافع متبادلة.
وفي يناير/كانون الثاني عام ٢٠١٦، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة مهمة في مقر جامعة الدول العربية يشرح فيها العلاقات الصينية العربية من الزاوية الاستراتيجية وبشكل شامل؛ في الوقت نفسه، أصدرت الحكومة الصينية "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية"، فارتقت العلاقات الصينية العربية إلى مستوى تاريخي جديد.
وفي يوليو/تموز 2020، تم عقد الدورة التاسعة لمنتدى التعاون العربي الصيني والتي تم خلالها الاتفاق على عقد قمة عربية صينية.
ومع تطور العلاقات بين الصين والدول العربية، نما حجم التبادل التجاري بين الجانبين بسرعة، وازدادت نسبة التجارة النفطية بين الجانبين من إجمالي التبادل التجاري.
في عام 2021، بلغت أرصدة الاستثمار المباشر المتبادل بين الجانبين الصيني والعربي 27 مليار دولار أمريكي، بزيادة 2.6 ضعف عما كانت عليه قبل سنوات؛ وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 330.3 مليار دولار أمريكي، بزيادة 1.5 ضعف عما كان عليه قبل 10سنوات.
وفي الأرباع الثلاثة الأولى لعام 2022، وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 319 مليار و295 مليون دولار أمريكي، بزيادة 35.28% عما كان عليه في نفس الفترة للعام الماضي، ويقارب الحجم الإجمالي في عام 2021.
وبانعقاد القمة العربية الصينية، الجمعة، تكون العلاقات بين الجانبين دخلت مرحلة جديدة بارتقاء آليات التعاون بينهما من المستوى الوزاري إلى مستوى القمة.
دلالة التوقيت
تم اتخاذ القرار بعقد القمة في يوليو/تموز 2020، في ذروة انتشار جائحة كورونا، وكان التضامن والتآزر بين الجانبين لمكافحة الجائحة نموذجا يحتذى، وأثبت أهمية تعزيز التعاون بين الجانبين، حيث أجرت الصين تعاونا فعالا مع الدول العربية في مجالات تطوير اللقاح واستخدامه والوقاية والسيطرة المشتركة وتقاسم الخبرات والأدوية العلاجية وغيرها.
فيما تعقد القمة، الجمعة، بعد نحو 5 أشهر من استضافة السعودية في منتصف يوليو/تموز قمة أمريكية خليجية بمشاركة الأردن ومصر والعراق خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، التي كانت الأولى من نوعها للشرق الأوسط منذ توليه منصبه.
كذلك تعقد القمة فيما تشهد العلاقات السعودية الأمريكية مؤخرا توترا إثر قرار تحالف "أوبك+" خفض إنتاج النفط الذي اعتبره البيت الأبيض اصطفافا إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، وهو ما رفضته السعودية، مؤكدة أنه يهدف لخلق حالة من التوازن واستقرار أسواق النفط.
أيضا تعقد القمة، الجمعة، في ظل تحديات إقليمية ودولية غير مسبوقة، من أبرزها الحرب الأوكرانية الروسية وما نتج عنها من تداعيات تتعلق بالأمن الغذائي وأمن الطاقة وتهديد الاستقرار والسلم الدوليين.
كل تلك المتغيرات الدولية أكدت أن تعددية الأقطاب في العالم أصبحت أمرا لا رجعة عنه، وأنه من مصلحة الدول العربية بناء شراكات إستراتيجية متوازنة مع أقطاب العالم تقوم على الندية والمصالح المتبادلة، واستكشاف أنماط تعاون جديدة أكثر استدامة.
مستقبل واعد
يرتقب أن ترسم القمة العربية الصينية خارطة طريق لمستقبل العلاقات بين الجانبين، ترتقي بالعلاقات إلى آفاق أرحب، بما يسهم في تحقيق الازدهار والرخاء لشعوب المنطقة.
يعزز من نجاح تلك الخارطة عدة أمور:
- وجود توافق في رؤى الجانبين تجاه مختلف القضايا، فالصين تدعم قضايا الأمة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتؤمن بأهمية الحل السياسي للأزمات في اليمن وسوريا وليبيا، وتدعم جهود الدول العربية في الحفاظ على سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي المقابل تدعم الدول العربية سيادة الصين ووحدة أراضيها، وتحترم مبدأ "الصين الواحدة".
- كما يتوافق الجانبان حول العمل من أجل السلام وإقامة نظام دولي منصف وعادل، واحترام خصوصية كل دولة.
- التعاون الاقتصادي المتنامي بين الجانبين والذي تضاعف عدة مرات خلال فترة قصيرة.
- وجود توافق في الرؤى التنموية المستقبلية لمختلف الدول العربية (مثل رؤية السعودية 2030 على سبيل المثال) مع المبادرات التي تطرحها الصين، مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال مشاركته في المناقشة العامة للدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول 2021، يعزز آفاق التعاون ويجعل من التنمية والمصالح المشتركة أساساً في التعاملات في ظل احترام متبادل للاختلاف.
- وجود نقاط قوة متبادلة تكون أساسا لتحقيق التكامل وتبادل المنفعة، فالدول العربية والخليجية تملك موارد نفطية تحتاجها الصين، وتحظى بموقع استراتيجي له أهميته ضمن مبادرة الحزام والطريق، كما أن تلك الدول تعد سوقا كبيرة للمنتجات والاستثمارات الصينية، وفي المقابل تملك الصين التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم تجربة تنموية رائدة ولها باع واسع في مجال التكنولوجيا الفائقة، وشبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والتكنولوجيا النووية للاستخدام السلمي مثل تحلية مياه البحر وغيرها.