لا شك أن نجاح دولة قطر في استضافة مونديال العالم 2022 لكرة القدم كان نقطة فارقة وعلامة مضيئة للعرب ككل في تنظيم بطولة عالمية ناجحة.
لا سيما أن حالة الجدل حول طبيعة المجتمع العربي والإسلامي، والتي دارت على مواقع التواصل الاجتماعي، يسودها الإعجاب والتقدير مع مراقبة دقيقة لبعض عادات وتقاليد وسلوكيات مواطنين عرب عموما.. ما يدل على مدى عظمة التاريخ والحضارة العربية وعمقها وقوة تأثيرها.
فحالة الإعجاب مثلا باختفاء التحرش في الشوارع العربية والترابط الأسري بين أفراد المجتمع وبعضهم جعلت الكثير من ضيوف المونديال في حالة من التقدير والدهشة والاكتشاف، والبعض بدأ تقليد ملامح هذه الثقافة العربية بجميع مشتملاتها.. حتى أبسط الأشياء، مثل طريقة الطعام واللبس وغيرهما.. كل ذلك أثبت قوة حضور الثقافة العربية، وبدا ذلك في الإشادات الدولية المتواصلة بالتنظيم الرائع لبطولة لكأس العالم 2022، حيث نوهت شخصيات سياسية دولية وصحفيون من مؤسسات إعلامية عديدة، وتقارير لوسائل إعلام عالمية بالتنظيم المذهل، الذي لم يكن وليد مصادفة، وإنما نتيجة عمل متواصل وجهد كبير.
الحدث الكروي العالمي فرصة لطالما انتظرناها، عربا ومسلمين، لنعكس للعالم أجمع الوجه الحقيقي لنا، بعيدا عن الصور النمطية، التي تشوه ملامح الحضارة العربية، وهنا أذكركم بماضي العرب والمسلمين، فهم الذين نقلوا مشعل الحضارة إلى أوروبا بدءا من القرن الثاني عشر الميلادي، فقد قدمت الحضارة الإسلامية للأوروبيين المعارف الأساسية في المجالات كافة، وبناء على ذلك راح علماء أوروبا ومثقفوها يشيّدون حضارتهم الحديثة، التي حققت بدورها طفراتٍ علميةً وفنية فيما بعد، لكن بقيت بعض الأصوات المُنصفة تتحدث عن الإرث العربي ودوره في تعليم الغرب وتثقيفه عندما كان لا يزال يغطّ في ظلام العصور الوسطى.
وأعتقد أن نقل صورة حقيقية لثقافتنا العربية والإسلامية لدول الغرب يجب أن يأتي بين أولويات العمل القيادي في الدول العربي، بل والشعبي، ليعيد الآخر النظر في تلك الصورة التقليدية المأخوذة عن العرب، على الأقل لإحداث نوع من الاتزان الثقافي، فالعرب يحترمون الوقت والعلوم والفنون، ولهم باع طويل في التقدم والإسهام الحضاري، الذي يجب أن يتطور ويُستحدث، ليُضاف إلى ماضيهم التليد، ونقاء سلوكياتهم وسماتهم.
إن التبادل الثقافي بين الشرق والغرب ستكون له نتيجة أخرى مهمة، إذ سيحل محل الصراع الذي يتفجر بين حين وآخر حول موضوعات خلافية تحتاج إلى ترسيخ مفهوم التكامل، لا التنافر والنزاع أو التعالي، فالشرق والغرب هما نصفا الأرض التي نحيا عليها، والهدف الأساسي للحوار بين النصفين هو إزالة سوء الفهم المتبادل، وذلك عبر معرفة أعمق، لترسخ مفاهيم كالتعايش والتفاهم والتعاون في مواجهة مشكلات كوكبنا، فالحوار والقبول المستمران يمهّدان لبيئة دولية سلمية تقوم على احترام الخصوصية وتكامل الثقافات والحضارات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة